النجاح ودموع الوداع

النجاح ودموع الوداع

النجاح ودموع الوداع

الأحد 21/8/2011

 
لم تحظ كاتبة في عصرنا الحديث باهتمام الأوساط الثقافيّة كما حدث مع الكاتبة البريطانية (كي. جي. رولينج) مؤلفة سلسلة (هاري بوتر) الشهيرة التي جعلتها أغنى من ملكة بريطانيا. وبعد أن كانت كاتبة مغمورة تحلم بأن توافق دار نشر معروفة على نشر أيٍ من نتاجها الأدبي، أضحت كاتبة مشهورة تتسابق دور النشر العالمية على نشر وترجمة أعمالها إلى اللغات الأخرى.
 
عشرات الآلاف من المعجبات والمعجبين من الشباب والأطفال جاءوا من كافة أنحاء العالم، واحتشدوا في ميدان “الطرف الأغر” بلندن المفروش بالسجاد الأحمر، لتحية الكاتبة وأبطالها الذين دخلوا عالم السينما وهم صغار من خلال تمثيل سلسلة قصصها الخيالية الشهيرة إلى أن غدوا في مرحلة الشباب.
 
أخذت الكاتبة “رولينج” تحتضن أبطالها أمام الجماهير الغفيرة، وهي تذرف الدموع، كونها أسدلت الستار على الجزء الأخير من سلسلة (هاري بوتر)، التي عاشت معها على مدى عشر سنوات، وحصدت من ورائها مجداً وشهرة لم تتوقعها في يوم من الأيام.
 
جميل النجاح خاصة إذا رفع مكانة صاحبه ووضع اسمه ضمن قائمة المشاهير والأثرياء. وأعتقد بأن كل كاتب يتمنى أن يحظى نتاجه الأدبي ولو بجزء مما حظت به أعمال رولينج. وقد يتسرب إلى نفسه شيء من الغيرة المهنية، وهذا ليس عيباً طالما لا تتعداها إلى الحسد والحقد! ولكن هل نجاح رولينج يعود لها وحدها، أم أن هناك أسباباً أخرى تقف خلف نجاحها؟!
 
بحكم أنني أديبة لي عدة روايات في الساحة الثقافية، حققت نجاحاً كبيراً مقارنة بغيري ممن سبقوني إلى عالم الأدب، أرى بأن الأديب العربي (سوبرمان) كونه يجتهد ويُناضل بمفرده كي يصل نتاجه إلى الناس، كما أن قطف ثمار نجاحاته يعود الفضل أولاً وأخيراً إليه وحده!
 
قد يسأل البعض ماذا عنيتِ بهذا الرأي، أقول بأن الأديب في المجتمعات الغربية هو إنسان محظوظ، كونه يعيش في عالم يحترم موهبته، وهناك مؤسسات ثقافية تدعم الكاتب في بداياته وتأخذ بيده حتى تطرق الشهرة أبوابه، وبل وتُخصص له دخلاً ثابتاً ليبدع في أجواء مستقرة. إضافة إلى أن المناخ الثقافي العام هناك يتسم بالحرية، ولا تُوجد محاذير اجتماعية على نتاج الأديب، ولا تُلقِ التهم جزافاً على شخصه!
 
في مجتمعاتنا، عندما تنفد الطبعة الأولى لرواية أديب عربي وهي بالكاد لا تتجاوز الثلاثة آلاف نسخة، يُعتبر إنجازاً كبيراً وتعني بأن صاحبه قد نجح في تجاوز عالم المغمورين! وفي الغرب قد يُصبح الأديب مليونيراً من نشر كتاب واحد إذا حقق النجاح بتجاوز مبيعاته ملايين النسخ!
 
يجب أن نعترف بأن مجتمعاتنا لا تقرأ ونسبة القراءة فيها تتقلّص يوماً بعد يوم. ويُردد الكثيرون أن هذا العزوف يعود إلى السياج الذي تفرضه الفضائيات على عقول الناس داخل البيوت، وبسبب الإنترنت ووسائل الترفيه الكثيرة التي غزت مجتمعاتنا، ولكن من وجهة نظري كلها أسباب واهية!
 
القراءة ثقافة وتعوّد وممارسة، وهو ما نلمسه في المجتمعات الغربية التي تُعتبر القراءة غذاء رئيسياً في حياة الفرد اليومية. وكم أتمنى أن يتم إقامة مكتبة بركن صغير داخل كل بيت، وفي كل مقهى يرتاده الشباب الصاعد حتى نغرز حب القراءة فيهم. والأهم من هذا وذاك وجوب احترام حرية الفكر، وأن لا نُناصب الكتاب العداء وننظر له بتوجس ويتم مُطاردته في وضح النهار كمجرم هارب من العدالة!
 
تُرى لو كانت الكاتبة رولينج تحمل هوية عربية، هل كانت ستُحقق هذا النجاح الساحق، أم كان سيتم مصادرة قصصها بحجة أنها تحثُّ عقول الأطفال على الخيال الجامح؟!