عدوى الحرية

عدوى الحرية

الأحد 30/1/2011

 
لن أردد البيت الشهير: إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر! كون هناك ملايين من الناس في رقع معينة بالعالم عاشت عقوداً طويلة من الظلم ولم تزل إلى يومنا هذا تعاني من مظاهر الذل والمهانة، وتقف عاجزة عن تغيير واقعها المزري! كما لا أؤمن بالمقولة الرائجة التي يرددها الكثيرون بأن حريتي تنتهي عندما تصطدم بحرية الآخرين! فحرية الآخرين لا تعني أن أستسلم صاغرة، لما يدور حولي من مظاهر سلبية إذا كانت مرتبطة بغيري من أبناء جلدتي!
 
وحرية الآخرين لا ترغمني على أن أطأطئ رأسي حتى لا يُقال بأنني تعديت عليهم، فكم من ذوي القربى داسوا على رقاب الناس، وصادروا حقهم في التعبير عن مطالبهم دون أن ترتجف قلوبهم أو يحسوا بوخز الضمير! فالحرية من وجهة نظري تستوجب مني مواجهة الآخرين عندما تتسبب أفعالهم في هدر كرامتي وفقدان أماني وضياع آدميتي.
 
الحرية تعني أن تحترم مطالبي كما أحترم قراراتك. الحرية تعني أن تفسح أمامي الطريق ولا تُعيق حركتي عندما أجاهر برأيي دون أن أتلقى ضربة غادرة على رأسي. الحرية الحقيقية تعني أن نتساوى أنا وأنت في الحقوق أمام القانون، وأن يعرف كل منا ما له وما عليه من غير أن تستغل موقعك الوظيفي لقمعي وإزاحتي عن طريقك. الحرية المسئولة الواعية هي تلك التي لا تضطرني إلى غض الطرف عن أخطاءك والتساهل مع زلاتك لتسرق حقي وحق أبنائي في العيش حياة كريمة على أرضي.

رائع ما يجري على أرض الواقع في عدد من شوارعنا العربية، مشهد يُحرّك بحيرة الأمل الراكدة. ولا أعرف ماذا سيكون شعور الشاب التونسي الذي أحرق نفسه لو رأى مدى تأثير تضحيته، والحريق الأكبر الذي أحدثه بعد رحيله في تحريك ثورة الشعوب العربية لانتزاع حقوقها المسلوبة.
 
أكتب مقالي من قلب القاهرة وحشود المتظاهرين التي يقودها شباب يافع تملأ الشوارع والميادين العامة وتخترق هتافاتهم طبلتي أذنيَّ. دوماً أعول على الأجيال الجديدة في إحداث حركة التغيير داخل مجتمعاتهم. شباب الإنترنت والفضائيات هم أكثر جرأة وجسارة من جيلنا والأجيال التي سبقتنا، ومن الواضح بأنهم لن يكلوا ولن يملوا بل سيستمرون في احتجاجاتهم حتى تصل أصواتهم أعالي السماء وتستجيب حكوماتهم لمطالبهم الحقوقية.
 
عندما لا يملك المرء شيئاً ليخسره، يقدم على فعل الكثير، فماذا تنتظر حكومات بعض الدول العربية من شعوبها حين لا تعبأ بمطالبها؟
 
ماذا نتوقع من شباب عاطل يحمل ملف شهادته الجامعية تحت ذراعه سنوات وسنوات… حتى تتعب قدماه من المشي، ليتلاشى الأمل أمامه في نهاية الأمر لإيجاد فرصة عمل شريفة، معلناً على الملأ عدم قدرته على الزواج أو توفير دخل يعيل به أسرته مقرّا بفشله في خلق مستقبل واضح الرؤية؟
 
ماذا تتوقع الحكومات الفاسدة من شبابها حين يجدون بعض من مسئوليهم يسرقون خيرات أوطانهم ويهربون إلى الخارج ليضمنوا بها حياة مرفهة لأبنائهم وأحفادهم من بعدهم، غير آبهين بما يعاني شبابهم من فقر مدقع وسيطرة اليأس والقنوت على قلوبهم النضرة؟ ماذا تنتظر أنظمة ديكتاتورية من شعوبها حين تكمم أفواهها وتصادر حقها في عيش آمن؟
 
ماذا تنتظر أنظمة معينة من شعوبها عندما تحتكر السلطة لنفسها إلى ما شاء الله، وتحول دساتيرها بما يتناسب مع توجهاتها الخاصة، ومصالحها الشخصية وتغرق أوطانها في بؤر فساد مالي وإداري وسياسي؟
 
انتبهوا: القادم أعظم!!