اليابانيون لا يعرفون المزاح

اليابانيون لا يعرفون المزاح

اليابانيون لا يعرفون المزاح

الأحد 25/12/2011

 
قرأتُ مصادفة مقالًا جميلًا يحمل عنوان (لن أزور اليابان)، يتحدّث كاتبه عن إخلاص اليابانيون لعملهم. ويحكي الكاتب قصّته مع صديقه الياباني عندما استقلا القطار المعروف باسم الطلقة لسرعته الفائقة، والذي يربط العاصمة طوكيو ومدينة كيوتو.
 
اليابانيون يُطلقون على درجات القطار العربة الخضراء والصفراء والحمراء إلخ. ويُتابع الكاتب حكايته بالقول إن العربة وصلت في موعدها المحدد وتوقفت مع فارق بضعة سنتيمترات عن المكان الذي كان يقف فيه مرافقه الياباني.
 
حب العرب للدعابة جعلت الكاتب يقول مازحاً لرفيقه الياباني.. كيف يقف القطار بعيداً سنتيمترات عنك؟! وكيف تسمح بحدوث هذه الفوضى؟! يصف الكاتب ردة فعل الرجل حينها، وكيف اعتلت وجهه حمرة الخجل، مؤكداً له أنه سيُخطر المسؤولين بما جرى. وطوال الرحلة التي استغرقت ما يُقارب ثلاث ساعات كان الياباني يروح ويجيء وهو يتحدّث مع العاملين. وعندما وصلا إلى مدينة (كيوتو) وجدا مدير المحطة في انتظارهما بنفسه ليُقدّم اعتذاره لصاحبه عمّا حدث في محطة طوكيو، واعداً إياه بأن لا يتكرر هذا الخطأ مرة ثانية.
 
عندما أخبر الكاتب صديقه الياباني بأنه كان يُمازحه وأن ما حدث يُعتبر شيئاً عادياً في بلداننا العربية، فغر الياباني فمه متعجباً وعلّق قائلاً. لكنها لا تحدث عندنا! وحقيقة لم أتفاجأ برد الياباني، وأنا أقرأ تفاصيل الحكاية، فقد عودونا اليابانيون كعادتهم على انضباط سلوكهم الحضاري، وهو ما جعلهم متميزين في كل شيء.
 
عندما وقع العام الماضي الزلزال المدمّر في اليابان وصاحبه موجة تسونامي ضخمة لم تحدث هناك منذ أكثر من مائة وأربعين عاما، وتسببها في مقتل آلاف اليابانيين، وفي تدمير أغلبية المنشآت الحيوية، شعرتُ حينها بالدهشة، وأنا أرى الجيش الياباني يُشكّل نفسه جسر عبور للمواطنين!
 
لقد أنبهر العالم من كيفية معالجة اليابانيين للكارثة التي حلّت عليهم، فلم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام كم الخراب الذي أصاب بلادهم، ولم يهدروا وقتهم في البكاء على أحبائهم الذين فقدوهم، بل جلسوا بهدوء وخططوا بعقلانيّة للخروج من مصابهم الجلل.
 
بالتأكيد الله رحيم بمجتمعاتنا العربية، فلو تعرّضنا لجزء بسيط من هذه الأهوال لما استطعنا الخلاص منها لعقود من الزمن، لأننا للأسف نغوص في “شبر ميّه”! فكم من حوادث أليمة تقع يوميّاً في العديد من بلداننا ولا تُوضع لها حلولاً جذرية!
 
تذكرتُ حادثة الحريق التي وقعت مؤخراً في مدرسة أهلية بمدينتي جدة وراح ضحيتها معلمتان وأطفال في عمر الزهور بسبب إهمال مَخرج الطوارئ! حضرت في ذهني المعلمات اللواتي يمتن يوميّاً في حوادث الطرق النائيّة بسبب توفير لقمة العيش لأسرهن! تذكرتُ ضحايا كوارث السيول التي اجتاحت عدداً من مدن السعودية، وما زال الجناة الحقيقيون المتسببون فيها يتنفسون بحرية في وضح النهار!
 
ثقافة الاعتذار نجهلها في مجتمعاتنا العربية! فلم نسمع عن مسؤول عربي يخرج إلى الملأ ويعترف بأن تقاعسه عن أداء واجبه الوظيفي كان السبب في حدوث هذا أو ذاك الخطأ! ولم تنقل لنا وسائل الإعلام الحكوميّة يوماً خبر إصرار المسؤول الفلاني أو العلاّني على تقديم استقالته بسبب حادثة وقعت وراح ضحيتها عدد من مواطني بلاده.
 
للأسف في مجتمعاتنا العربية يهوى كثيرون منّا تقمّص أدوار الأبطال الذين لا يُخطئون، كأن الاختباء خلف شعار الإخلاص، أو التملّص بوقاحة من زمرة الأخطاء، عادة شرقيّة مستحكمة فينا تُولد وتعيش معنا تحت سقف بيت واحد!! كم جميل أن نعلن على الملأ مسؤوليتنا عن الزّلات التي نرتكبها في مراحل حياتنا. إنها بداية الطريق لبناء أوطان خالية من الشوائب!!