مشهد قاتم الرؤيا

مشهد قاتم الرؤيا

مشهد قاتم الرؤيا

الأحد 28/04/2012

 
استطاعت (مارين لوبان) المرشحة للرئاسة عن الحزب اليميني المتطرّف الفرنسي، أن تحصد نجاحات غير متوقعة تعدّت 17 في المائة من أصوات الناخبين، مما أتاح الفرصة لحزبها في العودة إلى واجهة الحياة السياسية بقوة.
 
تصاعد الأحزاب الدينية المتطرفة في السنوات الأخيرة ببعض الدول الأوروبية كالسويد والنرويج وفنلندا وسويسرا وغيرها ليس بجديد! وهو ما جعل دول الاتحاد الأوروبي تُظهر قلقها على مستقبل الاتحاد الأوروبي، كون هذه الأحزاب تتبنى مواقف معادية لاتفاقات الاتحاد، وتُطالب بالخروج من منظومة اليورو، وتُهاجم بشراسة التساهل مع هجرة الأجانب لبلادها، وترفض بشدة التعددية العرقية والثقافية، وتعتبرها من وجهة نظرها تُشكّل خطراً حقيقياً على هويتها الوطنية.
 
المجتمع النرويجي لم يزل يتذكّر بحرقة الفاجعة الأخيرة، التي وقعت على أرضه الصيف الماضي، حيث قام شاب متطرّف من مواطنيه بتفجير قنبلة مفخخة قرب مقر الحكومة، وذهابه بعد ذلك إلى جزيرة أوتويا وقيامه بفتح النار على مجموعة من المراهقين الذين لم يتجاوز أغلبهم العشرين من العمر.
 
القاتل الذي وصلت حصيلة قتلاه إلى 77 شخصاً، قال أمام المحكمة دون أن يطرف له جفن: “أقرُّ بالوقائع، ولكنني لا أعترف بمسؤوليتي بالمعنى الجنائي. لقد ارتكبتُ هذا الفعل لأخلّص الأمة من خونة فرّطوا في المجتمع النرويجي بفتحه أمام الغزو الإسلامي وعلى التعددية الثقافية”.
 
منظمات العفو الدولية تنبهت للتمييز الحاصل ضد المسلمين والأجناس العرقية الأخرى، وبدأت تُندد ببعض الحملات الأوروبية التي تستغل تخوّف بعض الناس من الجاليات المسلمة ومن المهاجرين الأجانب الموجودين على أرضها، بتلاعبها بهذه الورقة المضمونة النتائج لكسب أصوات الناخبين.
 
بلا شك أن التطرّف بتوجهاته المختلفة آخذ في الاتساع بكافة دول العالم، نتيجة السياسات الخاطئة والانعدام الأمني والتدهور الاقتصادي وفقدان التسامح الديني. لكن يجب أن لا ننكر أننا ساهمنا بحصة الأسد في شيوع الفكر الديني المتطرّف في بلداننا العربية والإسلامية بالعقود الأخيرة، والذي كان عاملاً مباشراً في تزايد التمييز ضد المسلمين داخل أوروبا والتضييق على حرياتهم الاجتماعية وحقوقهم المدنية!
 
عندما يُصرّح شيخ ديني بوجوب هدم الكنائس في البلدان العربية دون مراعاة لحقوق المواطنين المسيحيين، ماذا نتوقّع ردة فعل العالم على هذا التصرّف الأهوج؟! عندما يقوم شاب فرنسي من أصول عربية بفتح النار على مدرسة أطفال في فرنسا أيّاً كان معتقدهم الديني، ألا يؤدي هذا الفعل إلى المزيد من الاضطهاد على الجاليات الإسلامية؟! عندما تصرُّ المسلمات على ارتداء النقاب الذي لا يمتُّ بصلة لتعاليم إسلامنا، وإنما هو موروث تاريخي عقيم، ضاربات بعرض الحائط قوانين البلاد المضيفة، ماذا نتوقّع ردّة فعل الآخرين؟! عندما نفتح أبواب الإعلام المرئي على مصراعيها أمام شيوخ متطرفين، ونترك الحبل على الغارب لهم في نفث سمومهم الفكرية، وترويج أفكارهم المتشددة ضد الآخرين وسكبها في آذان الشباب الصاعد، ألا يثير هذا مخاوف الغرب تجاهنا؟!
 
أنا لا أقف في صف الغرب وتبرير ما يفعله المرشحون هناك لتحقيق أحلامهم السياسية، ولكن ترميم بيوتنا المتهالكة يبدأ من داخل أوطاننا بإصلاح العقل العربي. من خلال إعلام حر لا يُروّج للتمييز الطائفي والعرقي. من خلال خطّة تعليمية وعلمية يقوم مضمونها على تفعيل دور الفرد وتنمية قدراته الذهنية. من خلال مؤسسات مدنية تحرص على ترسيخ ثقافة التسامح والوعي المستنير، وتدعو إلى تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية.
 
يوم نتوقف عن التلهّي بالقشور وننهمك بجدية في تنشئة أجيال واعية، لن يستطيع الغرب أن يستغل الجاليات المسلمة لتحقيق أطماعه الشخصيّة! نحن للأسف ما زلنا أوراقاً في مهب الريح. فمتى سيحين ربيعنا الحقيقي وتُورق أغصاننا؟