آخر صيحات السلفيين

آخر صيحات السلفيين

آخر صيحات السلفيين

الأحد 16/06/2012

 
هل الثورات العربية التي أشعل فتيلها الشباب، وسالت دماء الشهداء من أجلها، قد أنسلّت من بين أيديهم بعد أن التهمها الإسلاميون في لقمة واحدة؟! هذا ما يتردد حاليّاً بالأوساط الثقافيّة والأحزاب الليبراليّة في العالم العربي. وصار الناس العاديون يترقبون عند كل نهار، مسلسلًا جديداً يقوم الإسلاميون بإخراجه على الملأ، وهو ما جعلهم يفتحون أفواههم عجباً، متوجسين عمّا تخبئّه لهم الأيام في جعبتها!
كانت موجة الخيبات في مصر قد أخذت ترتفع، نتيجة مواقف الإسلاميين من الإبداع والفن! وهو ما جعل الفنانين يشعرون بالخوف على حريّة التعبير في وطنهم الذي يتم محاربته باسم حماية الدين! وهذا كان جليّا في جملة الدعاوى التي رفعها محامون إسلاميون، على رموز أدبيّة وفنيّة كان لها دور بارز في إثراء الحركة الفنيّة والإبداعيّة في مصر.
 
مؤخراً قام مجموعة من السلفيين في تونس، باقتحام قصر العبدلية، ومهاجمة رواق ربيع الفنون، احتجاجاً على عرض لوحات فنيّة، اعتبروا رسوماتها تعديّاً على القيم الإسلاميّة، مما أدّى إلى مواجهات بينهم وبين الشرطة والمواطنين، وهو ما أسفر عن وقوع جرحى وقتلي.
 
زرتُ تونس عدّة مرّات. بهرني هذا الشعب بعمق ثقافته، وبموروثه الإبداعي المتمثل في رموزه الفكرية السامقة، وبمكانة المرأة التي تجلس في الصدارة بفضل زمرة القوانين الوضعية التي سنّها الرئيس بورقيبة في عهده. اليوم هو يُراقب بتوجّس ما يحدث، ويشعر بالخوف من أن تتكرر تجربة الجزائر المريرة على أرضه، فالحرب الأهلية هناك حصدت أرواح الآلاف على مدى عقد من الزمن.
 
النخب التونسيّة مصدومة! وتتساءل إذا ما كانت الأحداث الأخيرة قد استهدفت بالفعل لوحات بعينها قام صاحبها بإطلاق العنان لخياله مما أثار حفيظة الإسلاميين، أم أنها تستهدف الفن والثقافة بصفة عامة، وتسعى إلى تكبيل الحريات العامة؟!
 
لا أدري إلى أين يسير قاربنا العربي! هل يتجه إلى شطآن عامرة بالخير، تُغنّي النوارس في أفضيتها الرحبة أغاني السلام والحب، أم أنه يسير في اليم نحو بقعة مليئة بالدوّامات الخطرة، وتسحبه إلى القاع ليغرق من عليه دفعة واحدة؟!
 
وفي السعودية، قام مائة وخمسة من الدعاة، بالتوقيع على بيان يؤكدون فيه على وجود موجة إلحاد في جدة، مطالبين في خطابهم بوجوب التصدّي لها بحزم. وقد تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي على الإنترنت مضمون هذه الدعوة المتطرفة، ما بين مؤيد لمحتواها وما بين مستهجن لها.
 
البعض قلل من قيمة هذه الدعوة، لكن في الحقيقة هذه ليست المرّة الأولى التي تخرج دعوات متطرفة! فقد سبق وأن خرجت قبلها دعوات أخرى تؤجج التعصب المذهبي وتُحرّك العداء الطائفي! وهي إن انتشرت ستُشعل فتنة كبرى وستؤدي إلى حدوث انقسامات داخل مجتمعنا السعودي.
المجتمع الجدّاوي نتيجة تعدد أجناسه وأعراقه وموقع مدينته الجغرافي، معروف بانفتاحه على الآخر، وبتقبّله لفكر الآخرين، وباحترامه للمذاهب والطوائف الأخرى، لذا يجده الوافد إليه مجتمعاً متميّزاً، متحرراً من عقد العصبية القبلية، وهو ما جعل الدعاة المعروفين بغلوّهم ينظرون بريبة إليه!
 
رمي أي مجتمع بالاتهامات جزافاً، لا يكفي أن يتم التصدّي له بتبرئة أصحابها ثم ينفضُّ السمر! الأمر يستوجب سن قوانين وضعيّة تُجرّم التحريض وتُعاقب المتسبب في شيوعها، حفاظاً على تماسك الأوطان. كما أن على المؤسسات التربويّة والتعليميّة إشاعة روح التسامح حتّى نخلق على المدى البعيد مجتمعاً متحضّر الرؤيا.
 
توزيع صكوك الغفران التي كانت تقوم بها الكنيسة بأوروبا إبان عصور الظلام قد ولّت إلى غير رجعة، ومن غير المعقول في زمن ثورة العلم والمعرفة، أن نستعير ماضيها ونسمح بإحياء محاكم التفتيش على أرضنا!