طلاق الحب والسياسة

طلاق الحب والسياسة

طلاق الحب والسياسة

الأحد 23/06/2012

 
هناك زيجات كثيرة تتم على أرض الواقع، وتتغلّب في تفاصيلها الساخنة على ما يجري في الأفلام العاطفيّة وما يُكتب في الروايات الرومانسيّة. قصص حقيقيّة تتفوق على الخيال في بداياتها وما يتخللها من تضحيات سامية وما تنتهي إليه من خواتم سعيدة للطرفين. لكن ما أن تمر أشهر أو سنوات قليلة، حتّى يتبخّر الحب الملتهب، ويخمد الشوق، وتظهر العيوب، وتدب الخلافات، يُعلن بعدها كل من الزوجين خيبته في شريك العمر، ليصل بهما المطاف عند باب المأذون الشرعي، أو اللجوء للمحاكم، ولا مانع من معايرة الزوجين لبعضهما أمام القاضي والقيام بوصلة “ردح” أمام خلق الله!
 
رباط الزوجيّة لم يعد مقدّساً! أصبح قانون “حمورابي” هو الشائع بين الزوجين. إن فقأت لي عيناً سأفقأ لك عينيك. وإن كسرت لي ذراعاً سأكسر لك الاثنتين. تحوّل الزواج الذي كان يقوم على المودة والرحمة والتسامح والعطاء المتبادل، إلى استعراض قوى، وفرد عضلات، يسنُّ فيها كل طرف أضراسه، ويشحذ سيفه، ليدخل معركة شديدة الوطيس حتّى تميل كفّة النصر لصالحه.
 
هناك من استغرق في الضحك، وهو يقرأ خبر وقوع عدة حالات طلاق في مصر إبان الانتخابات الرئاسيّة. وهناك من أظهر استهجانه مما حدث! فالزوج الذي خرج لينتخب مرشحه محمد مرسي، تفاجأ بوقوف زوجته في الصف المعارض باختيارها للفريق أحمد شفيق، وهو ما جعل الزوج يهيج ويثور ويعتبره خروجاً عن طاعته، وطعناً لكرامته، ليصل الأمر بينهما إلى تراشق بالألفاظ وضرب بالأيدي، معلناً المسلسل نهايته الفاجعة، بإلقاء الزوج ورقة الطلاق في وجه الزوجة المصدومة من ردة فعل الزوج!
 
وقوف الزوجين في مواجهة بعضهما، يكشف بلا شك عدم احترام الزوجين لمبدأ الشراكة، ويُظهر رفضهما لفكرة الخصوصيّة، ويُبيّن العلاقة الهشّة التي تربط بينهما! فعند أول موجة عاتية اعترضتهما، تركا سفينة زواجهما تغرق في اليم، دون أن يحاولا توجيه شراعها للجهة الآمنة! ودون أن يأبها بمشاعر الحب التي جمعت بينهما بالأمس! ودون أن يحسبا حساباً للعشرة وإن طالت أو قصرت! ودون أن يخافا على أطفالهما من التشرّد والضياع!
 
الفجوة القائمة اليوم بين الأزواج، والتي جعلت الحياة الزوجيّة مثل ريشة في مهب الريح، تؤكّد على حقيقة ثابتة، أن هناك خللاً في بنية مجتمعاتنا العربية! وتفحّص سريع لدفاتر الماضي القريب، سنكتشف أنّ العلاقات الزوجيّة كان يُغلفها الدفء والتماسك، مقارنة بالزمن الحالي الذي فشل فشلاً ذريعاً في تعضيد التواصل الإنساني.
 
من الملاحظ أن هناك حالة من الشد والجذب في كافة مجتمعاتنا العربية بين الأحزاب الليبرالية من جهة، والأحزاب الإسلامية من جهة أخرى. ووصل الأمر بينهم إلى التلاسن والتراشق على صفحات المواقع الاجتماعية، وفي الفضائيات وعبر وسائل الإعلام الأخرى. كل طرف يرى بأنه الأصلح لمجتمعه. وصارت النخب التي من المفترض أن تتجه للنقاش البناء المثمر، ترفض بشكل قاطع مبدأ الحوار العقلاني وتُنادي برفض الآخر، وترى أنها وحدها القادرة على الإمساك بزمام أمور مجتمعها، وأن على الجميع أن يؤمن بتميزها وقدرتها على مواجهة كافة الأمور المستعصية.
 
إذا كانت النخبة التي بيدها تطوير المجتمعات، تصرُّ على أن تستحوذ على “التورتة” وتلتهمها وحدها! وتقوم برفع الصوت لكسب رأي الأغلبية، وتصر على مصادرة حق الآخرين في التعبير عن آرائهم، إذن لماذا نلوم الأزواج على ضربهم بعرض الحائط، قدسيّة الحياة الزوجيّة والروابط الأسرية؟! ألا تُعتبر حلقة موصولة ببعضها تستدعي من الجميع تأملها بإمعان، ومحاولة حل معادلتها بعقلانيّة؟