الروائي “امين معلوف”

الروائي “امين معلوف”

الروائي “امين معلوف”

الأحد 30/06/2012

 
إعلامنا العربي بقنواته المتشعّبة، مر مرور الكرام على خبر فوز الكاتب والروائي اللبناني الأصل (أمين معلوف) مؤخراً بعضويّة الأكاديميّة الفرنسية خلفاً لعالم الأنثروبولوجيا الفرنسي (كلود ليفي ستراوس) المتوفي عام 2009. والأكاديميّة الفرنسية مؤسسة ثقافيّة مهمة عمرها ما يُقارب الأربعة قرون، ويُعتبر معلوف الكاتب الثاني من أصول عربية تُقبل عضويته فيها بعد الكاتبة والروائيّة “آسيا جبار” الجزائرية الأصل.
 
دخل معلوف إلى القاعة وهو يضع الرداء الأخضر والسيف المزخرف برموز ثقافته المزدوجة، حيث تُشكّل فكرة تقارب الشرق والغرب حجر أساس في كافة أعماله الإبداعيّة. وقد قال أمام عائلته وأصدقائه الذين جاءوا من بلدان مختلفة لمشاركته حفل تنصيبه:”اليوم هناك جدار في المتوسط بين الفضاءات الثقافيّة التي أنتمي إليها. طموحي هو المساهمة في هدمه. لطالما كان هذا هدف حياتي وكتابتي، وسأواصل السعي إليه إلى جانبكم”.
 
قرأتُ تقريباً معظم روايات معلوف، لكن روايتيه (ليون الأفريقي) و (سمرقند) من وجهة نظري أهم وأجمل روايتين سطّرهما، وبقيت راسخة في ذهني إلى اليوم بأجوائهما الرائعة وعبق التاريخ، الذي يفوح من أحداثهما المشوقة. فمن المعروف أن معلوف يُركّز في كتاباته على صفحات من التاريخ الإسلامي بأسلوبه الروائي الأخّاذ وبلغته الجزلة، على الرغم من اتهام البعض له أنه يتعمّد إظهار مساوئ المسلمين وتشويه سيرتهم، غامزين في ذلك على ديانته المسيحيّة وفي هذا افتراء وتجنّ كبير.
 
بلا شك وصول كاتب وروائي إلى هذا المنصب الرفيع، وحصوله على العضويّة بأكاديميّة عريقة كهذه، مفخرة لكل العرب. إضافة إلى أن وجود شخصيّة عربية بالأكاديميّة، يعني أنّ اللغة العربية سيكون لها دور إيجابي، من خلال إدراج بعض مصطلحاتها في القاموس اللغوي العالمي.
هل الشرق والغرب لن يلتقيا أبداً كما يرى أغلبية المستشرقين؟! هذا ما جعلني أتوقّف أمام عبارة معلوف التي قالها ضمن كلمته التي ألقاها في الأكاديميّة، بتعهده الاستمرار من خلال كتاباته ورواياته في هدم الحواجز الثقافيّة بين الشرق والغرب. وهي مهمة ليست سهلة بل بالغة الصعوبة! فهناك تلال من الموروثات الاجتماعيّة تفصل بيننا وبين الغرب على الرغم من مظاهر العولمة التي أذابت الكثير من الفواصل وقلّصت المسافات القاصية. وهذا لا يعني أن نضرب بعرض الحائط ثوابتنا، لكن أيضاً علينا أن لا نتعلل بها ونفرض سياجاً من الجمود حول مجتمعاتنا، ونقف حجر عثرة أمام الإنجازات الحضاريّة الإنسانيّة بحجة الخوف على هويتنا الثقافيّة!
 
سُئل معلوف عن ثورات “الربيع العربي”! فأجاب بأنّ ما حصل في تلك الدول سيُغيّر مستقبلاً شكل العلاقة بين العالم العربي وأوروبا. وليس هذا فحسب، بل سيُغيّر نظرة العرب لأنفسهم، فقد كان العرب في علاقة سيئة مع أنفسهم وينظرون إليها نظرة عدم ثقة، وأحياناً نظرة ازدراء للذات وكره لها، وأنّ هذا كله تغيّر مع ثورات “الربيع العربي”.
 
بلا شك العالم العربي قد خرج من قوقعة الخوف التي ربض فيها عقوداً طويلة، لكن هذا الانقلاب سيُضاعف من حجم المسؤوليّة الملقاة على كاهل النخبة، مستوجباً منها التخطيط بدراية وحكمة لوضع نهج فكري وثقافي متطوّر، كي تستطيع الأجيال الصاعدة مستقبلاً الإمساك بزمام أمورها بوعي وتبصّر.
 
صحيح أن ثورات “الربيع العربي” قوّت من شوكة الإسلاميين، لكنها على الجانب الآخر زرعت الهلع في نفوس أغلبية الناس خوفاً من ارتفاع موجة التزمّت، بطريقة قد تؤدي إلى وقوع صدام مع الغرب وإحداث فوضى عارمة! لكن ربّ ضارة نافعة، وقد يكون في ذلك مدعاة لأن تتحد النخب الشريفة للقيام بثورة فكريّة حديثة كي تواجه الطوفان القادم.