الحريات العامة .. الى اين؟!

الحريات العامة .. الى اين؟!

الحريات العامة .. الى اين؟!

الأحد 07/07/2012

 
المثل القائل “كأنّك يابو زيد ما غزيت!” هل ينطبق على أحوال مجتمعاتنا العربية اليوم؟! هناك من صار يسخر علناً من فوران براكين الثورات العربية، ويعتقد بأنها أطاحت بأنظمة دكتاتوريّة، وجاءت بأنظمة رجعيّة تحمل على عاتقها تطهير شعوبها من الرذيلة، وتنظيف مناخاته من الفكر الساقط ومن الإبداع الهابط! هل حرية التعبير في طريقها إلى رحاب أوسع لا مكان فيها للقمع والتنكيل، أم أنها تنحدر نحو وديان ضيقة ستتقلّص فيها الحريات باسم المحافظة على تعاليم الدين وترسيخ قوائم الحلال والحرام؟!
 
حقيقة الصورة لم تزل ضبابيّة أمامي، ومن الصعب الحكم مسبقاً! ولا أعرف أين ستقف الحريات العامة مع هذا الانقلاب الجذري في أرضيّة مجتمعاتنا العربية! ماذا عن الإعلام العربي؟! هل سيدخل مرحلة جديدة من الشفافية والوضوح والاستقلاليّة مع المشاهد العربي، أم أنه سيُرسّخ الصورة القديمة في التطبيل للوجوه التي تتصدّر الساحة السياسيّة الجديدة؟!
 
كان المجلس الوطني الانتقالي الليبي قد تبنّى في الأسابيع الماضية قانوناً ينص على تجريم كل من يُمجّد معمر القذافي أو أبناءه أو نظامه أو ينشر إشاعات كاذبة، ومعاقبة فاعلها بالسجن على ذلك. وقد فعلت المحكمة العليا الليبيّة الصواب حين أقرّت بعدم دستوريّة هذا القانون، بعد أن طعن مُدافعون عن حقوق الإنسان فيه، كونه سيؤدي إلى تقييد حرية التعبير وإلى تراجع خطير في الحريات العامة إن طُبّق فعليّاً على أرض الواقع.
 
القضاء التونسي وقف على الجانب المعاكس! واستجاب للشكوى التي تقدّم بها سلفيون متشددون في حق قناة “نسمة” التلفزيونيّة، قامت ببث فيلم اعتبروا مضمونه من وجهة نظرهم يمس الذات الإلهية، وهو ما دفع المحكمة التي نظرت في الدعوى إلى إدانة القناة وتغريمها ماديّاً.
هناك بلا شك فوضى إعلاميّة لمسها المشاهد العربي خلال ثورة “الربيع العربي” وعلى الأخص إبان الانتخابات الرئاسيّة في مصر. فقد كانت بعض الفضائيات سلاحاً في يد طرف على الطرف المنافس! وبدلاً من أن تلتزم بالحياديّة في تغطية مجريات الأحداث كما يجري في الإعلام الغربي، استخدمته كبوق للتأثير على الناخبين والترويج لطرف بعينه على حساب الآخر!
 
لا أعرف متى سيكون لدينا إعلام حرّ مستقل لا يهمه إن تزلزلت الدنيا من تحت أقدامه! ولا أدري متى سنفتح قنواتنا التلفزيونيّة ونُقلّب صحفنا العربية دون أن يتسرّب لدواخلنا نقطة شك في مصداقيتها وحياديتها وشفافيتها في طرح القضايا المشتعلة بساحاتنا الداخلية!
أعلم بأن الإعلام في كافة بلدان العالم لا ينعم بحريّة كاملة، وهناك خطوط حمراء لا يستطيع الاقتراب منها حفاظاً على أمنه القومي. لكن في إعلامنا العربي يختلف الوضع حيث يعتمد في استمراريته على التموينات المالية التي تقدمها مؤسسات أو أفراد بعينهم لهم توجهاتهم الخاصة، ويُعتبرون الموجهين الحقيقيين من خلف الستار طالما بأيديهم سلطة المال!
 
رأيت مؤخراً حديثاً لأحد الصحفيين الكبار في مصر. ينتقد ما يجري في المسلسلات والأفلام المصرية، حين يرفع الصحفي سمّاعة الهاتف ليطلب من الطاقم المشرف على طباعة الصحيفة، حجز رقم صفحة معيّنة له! مكذّباً المشهد برمّته، وأن هذا لا يمتُّ للواقع بصلة، وأن الإعلان هو سيد الموقف، وهو الضامن لاستمرار الجريدة، لذا بإمكان السيد المعلن إزالة موضوع بأكمله مهما كانت أهميته مستولياً على المساحة لإعلانه المسبق الدفع.
 
الحريات العامة هي جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان التي كفلتها له الأعراف الدولية، فهل هناك ما يستوجب تخوفنا أم أننا كعادتنا نستبق الشرور؟!