الكتب بين القرصنة والمنع

الكتب بين القرصنة والمنع

الكتب بين القرصنة والمنع

الأحد 14/07/2012

 
لفت انتباهي مقال للكاتب توفيق أبو شومر، يُعلّق فيه على قيام عشرة كتّاب وأدباء إسرائيليين من ضمنهم الروائي (عاموس عوز) -الذي ستكون لي وقفة لاحقة مع روايته (قصّة بين الحب والظلام)- وذلك بتوقيعهم على رسالة موجهة لإدارة معرض الكتاب العبري، يرفضون فيها تخفيض أسعار كتبهم ببيع كل أربعة كتب في مغلّف واحد بمائة شيكل. وجاء في مضمون رسالتهم “أعفونا من المشاركة في معرضكم، معرض الإذلال. إنّ حكومة إسرائيل تُعامل الفكر والأدب مثل الجوارب وتبيعها بالجملة. نحن نُطالبكم بإقرار قانون للكتاب”.
 
الكاتب أبو شومر علّق على رسالة الأدباء الإسرائيليين بالقول: “إذا كانت إسرائيل تُعامل كتب المثقفين كالجوارب، فإنّ أكثر العرب يُعاملون الكتب الثقافيّة كالأحذية الرديئة والرخيصة!”. توقفّتُ عند تعليق أبو شومر، ووجدتُ نفسي أرفض هذه المقارنة جملة وتفصيلاً! فالشعب الإسرائيلي محب للقراءة حسب الإحصائيات المعلنة، والشعوب العربيّة تكتفي الأغلبية منها بقراءة الصفحات الرياضية، ولا تعرف أسماء مبدعيها ولا تفقه شيئاً عن سير مفكريها!
 
لا أنكر أن الكاتب العربي مظلوم ومستغل من قبل دور النشر العربية التي تلقي له بالفتات وتحصل على نصيب الأسد من عائدات كتبه، إلا أنني أرى بأن الكتاب العربي يحظى باهتمام كبير من قبل وزارة الثقافة ومن الجهات الرقابيّة في بلاده ليصل إلى حد مصادرته ومنعه من النزول إلى الأسواق! ويكفي أن أي كتاب يخرج صاحبه عن الخط المألوف قد يتفاجأ بمظاهرة في الشوارع العربية تُطالب بمعاقبته قانونيّاً، هذا إذا لم يُصدر عن أحد الشيوخ المتطرفين فتوى تُطالب بإهدار دمه!
 
في صغري كانت تشدّني حكايات سندباد البحري وقصصه المسلية مع قراصنة البحار. لم أكن أظن بأنّ الزمن سيتغيّر وسيُصبح لدينا قراصنة في كافة نواحي الحياة. فالكتاب العربي مُدلل مع وقف التنفيذ! ويكفي أنه يتم سرقته في وضح النهار دون أن يتمكّن مؤلفه من ملاحقة السارق أو رفع قضية عليه!
 
كنتُ في الماضي عندما أستيقظ من نومي على مكالمة هاتفيّة من أحد معارفي أو واحدة من صديقاتي، تُخبرني فيها بنبرة قلقة أن كُتبي تُزوّر وأنا غافلة عنها بحسن نيّة! أثور وأغضب وأتصل بدار النشر التي تتولّى طباعة كتبي لاتخاذ اللازم حيال هذا الأمر. مع الوقت تبلّد حسّي ولم أعد أكترث إذا وقعت عينايّ على إحدى رواياتي تُباع على الأرصفة! خرجتُ بقناعة أن الأديب الناجح لا بد أن يدفع ثمن شهرته في دنيا الأدب.
 
لا أخجل من القول إنني تمنيتُ وأنا أقرأ مضمون رسالة الأدباء الإسرائيليين، أن تُباع كتبي كالجوارب وبالجملة شريطة أن يكون لها مكان على الرفوف داخل المكتبات السعودية وأن يُصرّح ببيعها علانية كغيرها من كتب الأدباء العرب! تمنيتُ أن أجد رواياتي بمعرض الرياض الدولي للكتاب في متناول الجميع، دون أن يضطر سماسرة البيع إلى وضع برقعاً على وجهها وتمريرها للراغبين في شرائها من تحت الطاولة!
 
ليس هناك أصعب على الأديب من أن تعيش رواياته في أرض الغربة بحجة خروجها عن منظومة العادات والتقاليد! صحيح كل أديب عربي يحلم أن يعيش من مردودات كتبه، لكن هذا من سابع المستحيلات في عالمنا العربي مهما بلغت مكانته الأدبيّة وذاع صيته! لكن الأقسى على الأديب أن يضطّر قلمه إلى الهجرة سنوات طويلة، وكلما سمع طرقات على باب منزله هبّ واقفاً معتقداً أنّ أسراب الطيور قد قررت العودة لأوطانها. الجوارب والنعال الرخيصة أفضل من تعليق المشانق على أبواب المدن كي ترتعد فرائص الكتب ولا تُفكّر في الدخول إليها!