قربة الفكر مثقوبة!

قربة الفكر مثقوبة!

قربة الفكر مثقوبة!

الأحد 22/01/2012

 
اندهشت وأنا أقرأ خبراً غريباً عن دعوة بعض المتشددين اليهود داخل إسرائيل إلى وجوب الفصل بين الجنسين في الحافلات وفي بعض القطاعات! ويظهر بأن جحافل التطرّف قد غزت بلادهم نتيجة وجودهم في وسط رقعتنا الأرضيّة، وكما يقولون في المثل المصري الدارج “مفيش حد أحسن من حد!”. متأثرين بالهوس الذي يُسيطر على عقول أغلبية دعاتنا بملاحقة المرأة في كل زاوية ومنعطف، والإصرار على عزلها حتّى يستقر المجتمع ويأمن من شرورها!
 
في مقال جميل يحمل عنوان (اغتيال الطبقة الوسطى المصرية) للمفكر المصري الدكتور “طارق حجّي”، يرى أن كافة الأديان من يهوديّة ومسيحيّة وإسلاميّة فيها دعاة تبنّوا عبر التاريخ آراء متشددة مناهضة لمسار التمدّن الإنساني، متابعاً بأن الدعاة المتشددين من يهود ومسيحيين لا يتبعهم سوى قلّة من الناس، لذا فهم من وجهة نظره لا يُشكلون ظاهرة خطيرة في مجتمعاتهم!
 
يعتقد “حجّي” أن الوضع منعكس في مجتمعاتنا العربية، فالدعاة المعتدلون لا يتبعهم سوى قلة من الناس، وأنها تعجُّ بالدعاة المتشددين الذين تتبنّى أفكارهم أغلبية شرائح المجتمع، وهؤلاء من وجهة نظره يُشكلون خطراً كبيراً يُهدد المستقبل ويجعله قاتم الرؤيا! متابعاً بأن عوامل الفقر والشعور بالظلم والإحساس بالغضب، ليست وحدها السبب في تصاعد الفكر المتشدد بالعقود الأخيرة، بل يُرجع ذلك إلى غياب الطبقة الوسطى كونها هي التي تُدافع عن قيم التقدّم والمعاصرة وتخلق توازن داخل مجتمعاتها.
 
أميل لرأي “حجي” في أن الطبقة الوسطى هي من تقوم عليها المجتمعات السوية، ولكن تقلّص الطبقة الوسطى لم يعد مقتصراً على مصر وحدها! فأغلبية مجتمعاتنا العربية للأسف تتلاشى منها تدريجيّاً الطبقات الوسطى نتيجة ارتفاع مستوى المعيشة وغياب العدالة الاجتماعية وتفشّي الفساد وانعدام مبادئ الديمقراطية وتقلّص مساحة الحريات!
 
قلتُ في واحدة من حواراتي إن الفقر لم يكن العامل الوحيد لاندلاع الثورات العربية، وقد اعترض أحد القراء على رأيي ضارباً المثل بالشاب “بوعزيزي”، الذي أشعل النار في جسده وقامت على أثره ثورة “الياسمين” في تونس ثم تبعتها بقية الثورات العربية، لكنني متمسكة بمعتقدي، ومدونات التاريخ تؤكد أن المفكرين والمثقفين هم من قادوا ثورات شعوبهم وأخذوا بيدها نحو طريق التحضّر والمدنية من خلال طرح أفكارهم التنويريّة التي سار على هديها الكثيرون.
 
تغاضي الدعاة عن طرح المشاكل الكبرى التي تغصُّ بها مجتمعاتهم، وانشغالهم بتدجين العقول ومحاصرتها، سيقودنا إلى المزيد من العنف والتطرّف والانعزالية الفكرية! وكلما قرأت خبراً من هنا وهناك عن اقتراحات عجيبة يدعو إليها أحد مشايخنا يتملكني الغضب، وأشعر بأن مجتمعاتنا تنحدر نحو هاوية محفوفة بالأخطار!
 
شيء مخجل ما يجري في الدول التي نجحت ثوراتها، من تفشّي ظاهرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي وجدت لها أرضاً خصبة في كل من تونس ومصر، بما تقوم به من ممارسات خاطئة وتضييق على حريات الفرد! وفي السعودية، في الوقت الذي تنادي المجتمعات المتحضرة باحترام العلم والعلماء يخرج أحد مشايخنا بمقترح غريب! ضرورة إنشاء أقسام خاصة داخل المستشفيات تكون مهمتها علاج الناس بالرقية الشرعية بمشاركة نخبة من المشايخ والدعاة تحت إشراف وزارة الصحة بحجة أن هناك أمراض مزمنة عجز الأطباء عن علاجها!
 
نُدرك أن الشفاء بيد الله وحده، لكن الاستهانة بالعقل وبما أنجزته البشرية في المجالات العلميّة، واستغلال الدين في تصريف كافة أمور حياتنا مرفوض! ارحمونا أيها الدعاة والتفتوا إلى القضايا الشائكة التي تغصُّ بها مجتمعاتنا حتّى تنظر إلينا الأمم الأخرى نظرة إجلال لا نظرة استهزاء واستعلاء!