حوارات صحفية 2004

حوارات صحفية 2004

﴿ صحيفة الوطن العُمانية ﴾
الملحق الثقافي
أندهش كثيرا من النساء اللاتي يطالبن بحق المساواة مع الرجل

بيروت – 21 مارس 2004
نديمه عيتاني

 
زينب حفني روائية وقاصة وكاتبة سعودية، بدأت العمل في الصحافة عام 1987 وكان لها مقال أسبوعي في (صحيفة الشرق الأوسط) على مدى خمس سنوات، أثارت مقالاتها وأعمالها جدلا واسعا ، من أعمالها (الرقص على الدفوف) و(هناك أشياء تغيب) ومجموعة قصصية تحمل عنوان (نساء عند خط الاستواء) ( تلك المجموعة أثيرت لأنها تناولت وبجرأة واقع المرأة في المجتمع العربي، فنالت على هذا العمل تنويهاً.
من أعمالها الأخيرة (لم أعد ابكي) رواية تناولت فيها قصة امرأة دفعت ثمن تمردها حين قررت أن تحقق ذاتها داخل مجتمعها وتوجد لنفسها مكاناً في عالم الصحافة
(الوطن) التقت بزينب حفني في بيروت وكان هذا الحوار::
 

– متى لمست هذا الميل الجارف لكتابة الرواية؟

 
– بدأت عام 1987، منذ حوالي سبعة عشر عاماً، بصفة رسمية، لان حبي للكتابة كأي أديبة، وكأي كاتبة، يبدأ نبض الكتابة داخل أي مبدع منذ الصغر، حين أكملت التاسعة من العمر، بدأ يتكون هاجس الكتابة في داخلي، ثمة نداء كان يقول لي هذا الحب سيصبح علاقة حميمة بيني وبينك، وعندما بلغت الثانية عشرة من عمري، بدأت أول خزعبلاتي الكتابية وشيئاً فشيئاً تكونت أدواتي الكتابية، وبدأت أراسل المجلات والصحف كهاوية وبدأت كمتمرسة منذ 17 عاماً في مجال الصحافة، كنت أقوم بعمل تحقيقات صحفية كثيرة، كلها تصب في إطار الحياة الاجتماعية، وبعد أربع سنوات من بداية عملي تفرغت تماماً للكتابة الأدبية، وأصبح لي عامود أسبوعي في عدد من الصحف المحلية السعودية إلى أن وصلت إلى جريدة الشرق الأوسط ، ككاتبة مقال أسبوعي يتطرق إلى بعض القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لأنني أؤمن أن الواقع الاجتماعي لا ينفصل عن الواقع السياسي والاقتصادي، إذا أردت أن تكتب عن السياسة اكتب عن الاجتماع، لأن كل هذا ينعكس على الواقع ويتشابك مع الفروع مثلماً يقولون. أن تقولي بلا شك إن تجربتي في العمل الصحفي، انعكست على كتاباتي في الرواية، ولم أرد تحديداً أن يكون هذا العمل الأدبي موازياً للتحقيقات الصحفية، لا بل على العكس أردت أن اعكس تجربتي الصحفية وان القي الضوء على عالم المرأة السعودية في دنيا الصحافة.
 

– ماذا أردت أن تقولي في روايتك الجديدة (لم أعد ابكي)؟

 
– أردت أن أقول من خلال هذه الرواية إن المرأة السعودية برعت في مجال العمل الصحفي وتحديداً التحقيقات، كمندوبة وكمراسلة ولكن ما زالت بعيدة عن صنع القرار، أردت أن أبين إن المرأة دورها هامشي في العمل الصحفي كصاحبة قرار، وما زالت تؤدي عملها، بتبعية تفرض وتملى عليها من الآخر، لأن العمل الصحفي كاتخاذ قرار لجهة النشر والتحرير ما زال بعيداً عن المرأة.
 

– ما هي الأمثولة أو الغرض الذي تحبين أن يتركه إثرك الكتابي وسط العامة؟

 
– من خلال رواياتي أريد أن أقول إن المرأة مهما واجهت من صعوبات، فهي تستطيع أن تحقق طموحاتها، في نهاية الأمر، إذا كانت تملك قوة الإرادة والتصميم في سبيل تحقيق هذا الطموح، لأن تحقيق الذات مهم جداً للمرأة، بصرف النظر عن وضعها الاجتماعي، وعن وضعها الاقتصادي، لأن تحقيق الذات لا دخل له بالرفاهية المادية، والاقتصادية، كثيرون يوجهون لي سؤالاً وتساؤلات كثيرة حول واقع المرأة الخليجية، والمرأة النفطية كما يقولون، بأنها مرفهة، فلماذا تقحم نفسها في هذا العمل المجهد والمتعب؟. فأجيبهم إن الحب هو أساس اختيارك لأي شيء في الحياة وليس القاعدة المادية، وحب المرأة هنا هو النجاح في العمل وتحقيق الذات، هذا ما تسمو وتطمح إليه.
 

– كيف تنظرين إلى المرأة العربية ، وما هي الصعوبات التي تواجه المرأة المثقفة في المجتمعات العربية؟

 
– بالنسبة للمرأة ككاتبة، أريد أن أقول إن المرأة على الرغم من أنها ما زالت تقف على مفترق طرق كصحفية، إلا أنها أثبتت نفسها ككاتبة مقال، سواء أسبوعي أو شهري، أو حتى يومي، هناك الكثيرات من الكاتبات السعوديات اللواتي برعن في كتابة المقال إلى درجة أنهن يتفوقن على الكثير من الرجال في المجتمع السعودي وقد أقدمت على طرح قضايا في منتهى الجرأة، ومن وجهة نظري أرى إن المرأة تملك الجرأة أكثر من الرجل في طرح القضايا، لأنها عندما تضع شيئاً في ذهنها تكون مصممة على أن توصل رسالتها إلى الآخرين.
 

– المرأة برأيك أصبحت خارج السياسية، والقصد هنا المرأة العربية بالذات من المحيط إلى الخليج؟

 
– لقد أصبح المعترك السياسي حكراً على فئة معينة من الناس، وأريد أن أقول إن العالم العربي أصبح مشغولاً بمعاناته اليومية وبأشياء أخرى تطحن حياته وتسحقها، ولا تنحصر القضية في إبعاد المرأة عن الساحة السياسية، بل حتى الرجل أصبح مبعداً، وليست قضية الإبعاد في حد الإبعاد، ولكن ثقل الحياة المادية والمعيشية جعلت الرجل يدور في طاحونة الحياة، مما جعله يفكر فقط في همومه الأساسية.
ودور المرأة كمسيّسة في انحصار بعالمنا العربي، ولنأخذ مثالاً على ذلك واقع المرأة السياسي في مصر، في الخمسينات كان دور المرأة أكثر بروزاً على الساحة السياسية، كذلك الأمر في لبنان. وهذا يعود إلى طبيعة ضغوط الحياة ولكن أريد أن أقول شيئاً مهماً، انه في الفترة الأخيرة، الدول الخليجية أصبحت تستعمل حق القوتة كما يقولون، أي حق تنصيب المرأة في مراكز سياسية في الوزارات والبرلمانات، سواء في مجالس الشعب أو في مجالس الشورى، لكن المشكلة ليست في قضية التنصيب في رأيي هناك قضية تأهيل المجتمع لتقبل دور المرأة السياسي، إذا نظرنا إلى قطر فإن المرأة هناك لا تنتخب، لماذا؟ مع الأسف، لان المرأة ما زالت هناك بحكم تربيتها وتنشئتها الأسرية تنظر إلى الرجل على انه المعيل والسند الأول لها، إذن هي ما زالت تفتقد الثقة في امرأة أخرى من اجل أن تختارها.
هنا يأتي دور الأسرة نفسها والمجتمع والمؤسسات التربوية في تأهيل المجتمعات القادمة، وترشيد الأجيال القادمة إلى دور المرأة القيادية والمرأة المسيّسة، وهنا يلعب الإعلام دوراً كبيراً في هذا الشأن.
 

– أين دور المرأة المثقفة في فضائياتنا العربية، ولماذا هذه الهجمة على المرأة حيث أنها باتت كسلعة تعرض على شاشات التلفزة والإعلانات المصورة؟

 
– اعتقد أن هذا الأمر بمثابة هجمة على المرأة، ولكن أليس للمرأة دور في هذا الانحدار. كما يقولون، إنها أسواق نخاسة جديدة، متواجدة ومنتشرة في الفضائيات، وعلى صفحات المجلات والإعلانات على الشوارع.
وهنا نلقي اللوم على المرأة التي يجب أن تعي نفسها وتعي مكانتها وتعزز دورها الريادي بتعليمها وبثقافتها بدورها في أن تأخذ حقها في الحياة وان تربي الأجيال الجديدة على معنى كلمة حرية، أصبح هناك انفصال ما بين الحرية والإباحية، ويوم تميز الأجيال الجديدة الفرق بين الحرية والإباحية وتدرك معنى كل منهما على حد، وبأن هناك خطاً فاصلاً بينهما نستطيع حينها أن ننشئ جيلاً واعياً على مستوى الأجيال القادمة.
 

– أين أصبح دور (دور النشر) في تعميم الثقافة؟ وهل ينحصر دورها في نطاق الإنتاجية المادية؟

 
– حكاية دور النشر حكاية طويلة، ولقد عانيت كثيراً من دور نشر سابقة تعاملت معها، لم احصل منها حتى على المردود المادي، وهذا الأمر ينطبق على الكثير من المثقفين، لقد أصبحت دور النشر تنظر بفوقية، وتشعرك عندما تتعامل معها بأنها تمن عليك، لأنها تنشر لك رواية أو ديوان شعر أو أي شيء آخر.
وهذا يعتبر انتهازية، وهنا اللوم والتقصير يقع على عاتق الدولة لأن عليه أن يدعموا الكاتب ويدعموا المثقف أو الأديب، وهذا دور أساسي يجب أن تقوم به الدول، ويجب أن تقوم مؤسسات حكومية تدعم النتاج الأدبي مع الأسف لا يوجد في مجتمعاتنا مثل تلك المؤسسات حتى النوادي الأدبية أو المؤسسات الأدبية تقوم للأسف على العلاقات الخاصة.
 

– ما هو دور الرقابة، هل هو سلبي أم ايجابي ويصب في خانة من؟

 
– للأسف أصبح هناك لبس حول مفهوم كلمة (رقابة).
الرقابة لم تعد محصورة على الفكر وحده، بل تحولت في عصرنا هذا إلى عملية قمعية، هناك قمع على الفكر والرأي والمكاشفة وحتى الشفافية، وهذا في حد ذاته خطورة، لأننا إذا أردنا أن نعرف الغث من الثمين فكيف تميز الأجيال القادمة الغث من الثمين، إذا لم تمسكهما بكلتا يديها، أتذكر عندما كنت طفلة، كان والدي يأخذني إلى مكتبة القاهرة ويقول لي اشتري ما تريدين، لم يمنعني يوماً من قراءة كتاب.
 

– روايتك الجديدة (لم أعد أبكي) ماذا تقصدين من وراء العنوان، هل هو عدم البكاء على الثقافة العربية مثلاً؟

 
– كلمة لم اعد ابكي، هي قصة امرأة، عانت مع الرجل، واعتقد إن قضية الرجل مع المرأة هي قضية أزلية وعلاقة جدلية ستظل إلى نهاية العمر بل إلى يوم القيامة. لم اعد ابكي، أردت أن أوضح من خلالها إن المرأة مهما علا شأنها وتثقفت وتعلمت يظل في داخلها امرأة وتبقى محتاجة إلى رجل، وقضية الاحتياج إلى الرجل، ليست قضية انفرادية تنحصر في طرف من الشريكين، بل هي علاقة طردية أو عكسية، لأن كليهما محتاج إلى الآخر، اندهش كثيراً من النساء اللواتي يطالبن المساواة بالرجل نداً بنّد، أنا لا أؤمن بذلك، ولكن أؤمن بأن المرأة من حقها أن تأخذ حقها في الحياة والعمل، وان تثبت ذاتها، وان يحفظ الرجل كرامتها.
سأتطرق لشخصية طلال السعدي بطل الرواية هو نموذج من الرجال موجود في كل أنحاء العالم، رجل مثقف ينادي بالحريات وبأحقية المرأة في أن تأخذ حقها، وتحفظ كرامتها، ولكن عندما تصل العلاقة إلى ارتباطه ببطلة الرواية، تظهر عقدة الذكورية الشرقية، وتظهر الازدواجية، ويرفض الارتباط بامرأة ذات ماض، هنا أردت أن أقول إن العلاقة بين الرجل والمرأة دائماً علاقة شائكة، يتغلب عليها الطابع الأسري والتربوي والتنشئة، أكثر من طابع الشخصية، لأن الشخصية تبقى محصورة في نطاق التربية التي تلقتها.
 

– إذا أُوقفت أمام كرسي الاعتراف، ماذا تقولين ومن تتهمين إذا كنت أنت بريئة؟

 
– عندي اعتزاز بنفسي وبالتاريخ الذي بنيته، لأنني عانيت كثيراً منذ أن دخلت عالم الكتابة، بكيت، تجرعت المرارة، اعتزلت، رميت أقلامي، لكن كنت دائماً انظر إلى أوراقي وانظر إلى قلمي واشعر بحنين وبشوق، هناك عشق بيني وبين القلم والحرف، تربطني بهما حالة لا اعرف ماذا اسميها، الحب دوماً يجبرك على تخطي الصعوبات، إذا كنت تملك الإرادة والتصميم على اتخاذ القرارات في حياتك أو في مجال الشيء الذي تحب، بلا شك انك ستتخطى كل شيء.
هناك دوماً أسئلة كثيرة في داخلي، بعضها استطعت الإجابة عليها، ولكن هناك أشياء ما زلت ابحث عن إجابة لها، في النهاية بقدر ما تحاسب نفسك، تكتشف بواطن ذاتك وأشياء كثيرة غائبة عن ذهنك وروحك معاً.
القدرة على مواجهة الذات والمجتمع وتحدي سلبياته، هو الذي يجعلك قادراً على أن تتمرد وتكتب وتقول الذي تريده، لا أهدف من كلامي إلى التمرد بمعنى التمرد، لان التمرد كمفهوم يعني العصيان، ولكن إذا أردت أن تتمرد لكي تضع يديك على أشياء جميلة كثيرة في الحياة التي تتعلمها يوماً بعد يوم، هنا تصبح سيد نفسك حتى ولو كنت في كرسي الاعتراف، تستطيع أن تواجه الكثير من الأعين والكثير من التساؤلات وتخرج في النهاية منتصراً.
 

– ما هي مشاريعك الأدبية المقبلة؟

 
– عندي طموحات كثيرة، كتبت في مجال الشعر النثري، وفي مجال القصة القصيرة، وفي مجال المقال الصحفي، وفي مجال الرواية، الآن أعكف على كتابة تجربتي الذاتية في عالم الكتابة، أو في عالم المعاناة، لأني تعرضت لمعاناة كثيرة في مجال الكتابة وأريد أن أسجلها على الورق لتصبح ربما دروساً للأجيال القادمة، هذه تطلعاتي.
أهم مجموعة قصصية كتبتها هي نساء عند خط الاستواء، اعتز بها جداً، لأنها أول مجموعة تجرأت أن أتناول فيها واقع النساء في المجتمع السعودي وكانت خطوة جريئة جداً.
لقد تناولت معظم المواضيع، إن لم يكن عن طريق القصة، فعن طريق المقالات، لقد أثارت مقالاتي زوبعة كبيرة داخل و خارج المملكة.
 

– كل رواية هي بمثابة مولود جديد، ما هي الحالة التي تعيشينها في كل رواية وهل تستعملين لغة ما زالت بكراً؟

 
– الرواية عندي تبدأ بفكرة بسيطة، وبمجرد أن امسك القلم وابدأ الكتابة تتداعى الأفكار وتتراقص الكلمات أمامي، كثيرون يقولون بأني استعمل لغة بسيطة في كتابة قصصي ورواياتي ولكن أنا لا أحب أن استعرض العضلات الثقافية، كما يستعملها بعض الأدباء لكي اثبت مقدرتي الأدبية، اعتقد إن الكاتب والأديب كلما كان بسيطاً في عرضه وسرده، أصبح قريباً من العامة، لأن قارئ اليوم يشبه إلى حد بعيد مستمع اليوم، ليس عنده الجلد والصبر على المتابعة وقراءة النصوص الثقافية التي تحمل سمة التخصصية .

 

***
 

﴿ صحيفة المستقبل ﴾

ثقافة و فنون
المرأة السعودية من أقوى النساء العربيات
والشخصية العربية الذكورية مفصومة في العمق

22 مارس 2004
يقظان التقي

 
في روايتها الثانية “لم اعد ابكي ” تذهب الكاتبة السعودية زينب الحفني إلى تصوير الواقع الاجتماعي الذي تعيش فيه المرأة السعودية وطموحات التغيير وسط المناخات السياسية السائدة اليوم.
زينب الحفني زارت بيروت أخيراً للتوقيع على كتابها الصادر عن ” دار الساقي” ضمن مهرجان الكتاب في انطلياس. هنا حوار :
 

– يصادف إن غادة المرأة السعودية بطلة روايتك هي صحافية وزينب حفني نفسها كاتبة وصحافية منذ العام 1987. وتقولين في الإهداء “إلى نفسي … لأثبت حقها في البقاء “. هذا قد يؤسس عفوياً صورة عن الرواية السيرة؟

 
– كلا ، ليست هي سيرة ذاتية وأنا تعمدت أن تكون غادة في الرواية صحافية لألقي الضوء على ما يجري وراء الكواليس في الصحافة السعودية والصحافة العربية بشكل عام ويمكن إني أضفت من خلال غادة تجربتي في عالم الصحافة. هذا صحيح.
 

– تلمحين في روايتك إلى نقطة حساسة حادثة جهيمان العتيبي وجماعته ودورهم في إبطاء مسيرة التحديث الاجتماعي في المملكة. هل هذا ما يجعل المجتمع السعودي إلى الآن مكبلاً بموروثاته الثقيلة والمعقدة؟

 
– أعتقد إن حادثة جهيمان العتيبي وخطابه السلفي كان لهما تأثير سلبي طال العديد من نواحي الحياة السعودية وأبطأت تلك الحركة مسار التحديث الاجتماعي في المملكة وارى أكثر إلى جماعة جهيمان وهي التي أفرزت وأنتجت بن لادن والقاعدة.
أنا أتكلم هنا عن ظاهرة الإرهاب الجديدة والخطاب الإسلامي السلفي المتشدد والمتطرف، وباعتقادي ما نعاني منه في الفترة الأخيرة يعود في جزء رئيس منه إلى نبرة التطرف تلك العالية والتي ما تزال ترخي بظلالها على المشهد السعودي من خلال الأحداث الدرامية التي جرت مؤخراً في المملكة. لا يعني أن هذا لم يكن موجوداً في السابق لكني اعتقد إن النبرة أخذت منحى تصاعدياً أكثر في العقود الأخيرة مما أعاق أو أبطأ مسيرة الإصلاح التي حاولت المملكة أن تنتهجها تزامناً مع حركة التنمية الواسعة التي طالت جوانب عديدة في الاجتماع السعودي الحديث.
 

– تشيرين عرضاً إلى ارتباط سنة مولد غادة في العام 1964 وهو العام الذي تولى فيه الملك فيصل حكم البلاد؟

 
-كان عاماً زاخراً بالوقائع المثيرة والأحداث العاصفة التي انتهت بتنازل الملك سعود عن الحكم لصالح أخيه الملك فيصل، واعتقد إنها أحداث شكلت منعطفاً مهماً في الحياة السعودية والشيء الذي تذكره غادة إن ولادتها تلك السنة أشاعت البهجة والسرور في قلبي والديها..
 

– الرواية هي رواية المرأة السعودية وحقوقها المدجنّة ، هل يحمل هذا التوصيف خاصية ما ؟

 
– ليست قضية المرأة قضية خصوصية تعني المرأة السعودية وحدها، هي قضية عامة تطال المرأة في جميع أنحاء العالم وأنا عايشت ذلك خلال إقامتي في السنوات الأخيرة في بريطانيا واكتشفت إن المرأة في كل مكان هي امرأة بصرف النظر حتى عن التغيرات الاجتماعية التي تعيش فيها.
أنت تتحدث هنا عن طبيعة أنثوية وسيكولوجيا المرأة أو جسد المرأة والفرق بين المرأة الأوروبية والشرقية إن الأخيرة ما تزال تحاول أن تجد لها مكاناً داخل مجتمعها فيما المرأة الأوروبية طحنتها الحياة المادية وأصبحت بدورها في دوائر مغلقة. وعلى الرغم من كل صرخات الاحتجاج التي تنادي بتحرر المرأة العربية إلا إن هناك الكثير من المشاكل التي تعاني منها المرأة الغربية سواء لناحية العنف الجسدي أو المعنوي.
 

– القاسم المشترك

 

– القاسم المشترك الذي يجمع ما بين شخصيات روايتك الرئيسة والهامشية غادة وزيد وطلال ونشوى وناصر هو العنف اليومي، وبين تلك الشخصيات يبدو طلال الأقرب إليك وكثيرة هي الأشياء التي تريدين قولها في الرواية ماذا عنها؟

 
– أريد أن أقول انه في الآونة الأخيرة، وعلى الرغم من ثقل الموروث والقيود الاجتماعية والعادات والتقاليد الصارمة التي تعيش المرأة السعودية في محيطها، إلا إنها استطاعت أن ترفع صوتها وتثبت قدراتها وتجد لها مكاناً داخل مجتمعها.
صحيح إن المساحة ما زالت ضيقة لكني متفائلة بالغد وأريد أن أضيف معلومة يجهلها كثيرون وهي إن المرأة السعودية من أقوى النساء العربيات، لكن المشكلة إن الإعلام السعودي لا يلقي الضوء على هذه الجوانب المميزة لان إعلامنا بدوره يتحرز أمام عادات وأعراف ما زالت هي السائدة في القالب الاجتماعي العام.
 

– هلا شرحت ما تعنين بأقوى النساء العربيات؟

 
– أتحدث عن المرأة السعودية في مجال الأسرة والعائلة وعلى مستوى رئاسة الجامعات والمشاركة في إدارة المصارف واقتصاد السوق ، والنساء الكاتبات يتفوقنّ على الرجل السعودي. حتى على مستوى طرح القضايا السياسية والاجتماعية تجد النساء يطرحن تلك القضايا بأسلوب ومستوى عرض يتفوق على نظيره عند الكتّاب الرجال.
 

– لكنك في الرواية خصصت طلال الشاعر بمانيفست ثوري وتغييري ؟

 
– إذا ألقيت الضوء على شخصية الرجل طلال فلانه نموذج الرجل المثقف والشاعر الطامح إلى التغيير والطالع من ثقافة غربية وهو نموذج بعض المثقفين النزهاء في عالمنا العربي، أي نموذج المثقف الذي تصادر كتبه ويسجن ويهاجر والذي يدفع كل هذا ثمناً لمواقفه وصدقه.
من جهة ثانية أشرت أيضاً إلى طلال الرجل الشرقي الذي يمارس الازدواجية حين يتطرق الأمر إلى شعوره وحياته الشخصية على الرغم من انه شخصية عاشت في الخارج وله مبادئه العامة في إعطاء المرأة مكانتها في المجتمع. ومع ذلك رأيناه يرفض أن يغفر خطأ حبيبته غادة ويرفض الارتباط بها وهذا يعني إن الشخصية الذكورية العربية مفصومة في العمق، والشرقية ما زالت المحرك الفعلي للرجل في عالمنا العربي، حتى لو كان الرجل المتغرب الذي يعرف التعامل مع الأماكن الأخرى ويحاول التعامل مع مدنيّة ما.
هناك أيضاً شخصية والد غادة التي تحمل رسالة عن الأسرة اليوم وإلى الرجال الذين يتخلون عن أبنائهم وزوجاتهم بعد الطلاق ويتركونهم في عراء الاحتياج المادي والمعنوي ليبدؤوا حياتهم مع امرأة أخرى. والد غادة ظل يتحمل مسؤولية زوجته وابنته في نموذج الرجل الذي يرفض أن يتخلى عن مسؤولياته كما في العادة مع الرجل الذي يبدأ حياته مع امرأة وينهيها مع امرأة أخرى ، مع العلم إن جميع الأديان تقول بضرورة أن يحترم الرجل الذكرى الأولى وليس أن يشجبها أو يسقطها من ذاكرته خاصة مع وجود أطفال.
هناك أيضاً شخصية مهمة ثانوية هي شخصية زيد من التابعية اليمنية تلعب دوراً عاطفياً مهماً وتشي بعنف الطبقات المسحوقة الفقيرة واللاعدالة لاجتماعية حيث مجتمع المال ينصب نفسه حاكماً على الأحلام الإنسانية والطموحات. وأيضاً هناك عنف آخر يحيط بمسألة الشباب السعودي في الجامعات وسوق العمل.
أعود إلى موضوع خصوصية المجتمع السعودي فالحقيقة نحن مثل كل مجتمعات الدنيا لدينا سلبيات وايجابيات. صحيح مجتمعنا السعودي شديد الخصوصية مما يجعله يرفض أي محاولة لتعرية سلبيات ما. مع هذا أريد القول بأن هذه النماذج السلبية ليست هي القاعدة بالمطلق في المجتمع السعودي ولا أغالي إذ أقول بأن مجتمعنا يملك محمولات ايجابية كبيرة.
 

– جسد المرأة

 

– هل اللغة الجريئة التي استخدمتها في تعرية مشاعر الشخوص والشبق الجنسي والعاطفي هي تقنيات تستعملينها للترويج للرواية؟

 
– أنا ارفض هذا السؤال وانزعج منه ، وفي الحديث عن جسد المرأة كمجرد لغة تقنية. نحن نتكلم عن لغة حقيقية، ولا اعتقد إني تعمدت إسقاطات محرمة وجريئة في الوصف الحسي. لا بل قدمتها مادة خاماً كما هي من دون تزويق او حرج ولم أتقصد هنا أن اظهر عضلاتي الثقافية واللغوية أو التعبير عن جرأة مباحة للتسويق للرواية لمجرد التسويق.
حاولت أن أكون قريبة من لغة الجسد وهي غريزة بشرية افهمها جيداً وتفهمها كل نساء الأرض وجزء أساسي من واقع مجتمعاتنا الحديثة وجزء طاغٍ من الواقع المعيشي الذي تتحرك في ساحته المرأة العربية اليوم.
ربما أكون قد دخلت منطقة محرمة ليس فقط في المجتمع السعودي المحافظ وإنما في عالمنا العربي كله ، وأردت أن احمل تلك اللغة رسالة أو أبوح من خلالها بالكثير من الأشياء وبلغة اقرب إلى العامية لمزيد من “العنف” وربما كان هذا عنوان جيد للكتاب” عنف الجسد “.
نعم هناك كتّاب يفرضون لغة الجسد في مضمون رواياتهم لكي يضمنوا انتشارها أو جماهيريتها، لكن اللغة التي استخدمتها أنا هي التي تقوم عليها فصول الرواية من أولها إلى آخرها ومدروسة بعناية ، فغادة البطلة دفعت ثمن جسدها وتبعات تحررها الجسدي وكذلك نشوى ودلال وحتى طلال دفع ثمن لغته المتحررة لان الناس لا يتكلمون ذلك.
 

– التقنيات التي تستخدمينها اقرب إلى سيناريو بتقطيع سينمائي أكثر وبدا لي المشروع قصصياً أكثر منه روائياً؟

 
– هذا ليس بجديد والمهم أن تسيطر على اللغة، وأنا طالعة فعلاً من مناخات قصصية وأسلوب الوصف والسرد واللغة القريبة من الواقع فيما يبدو قريباً من شخصيات واقعية لكن بنفس فانتازي لان العمل الروائي بالنهاية لا يجد سحره الا بالفانتازية والتشويق وهذا ما يجعل للرواية نكهة الشريط الموصول والمتعة في المتابعة بحيث لا يضجر القارئ وأعتقد اني نجحت بأن أكون قريبة من هذا الهدف .
 

– هل تأتين إلى الكتابة أكثر عبر الهاجس الصحافي؟

 
– انعكست تجربتي في الصحافة على الكتابة الروائية أو القصصية لكن ليس الهاجس الصحفي هو الكل الذي تقصد ، وهناك نواحٍ فنية متغايرة، لكن من دون شك أردت إلقاء الضوء على المرأة السعودية وبعض من هواجسها ورأيها تجاه قضايا تهم المجتمع مثل المطروح اليوم من دعوات إصلاح والديمقراطية والحرية وهي للأسف محاولات لم تنجح إلى اليوم في عالمنا العربي والإسلامي ومن مثل أن تكون المرأة الصحافية صاحبة قرار في السعودية ، لكن الحقيقة إن الصحافة اليوم بيد الرجل وهذا يعود إلى ذكورية مجتمعنا وسيطرة الرجل على الإعلام.
 

– ماذا عن موقع الرواية السعودية والكتابة النسوية في الرواية العربية اليوم ؟

 
– الجنس الأدبي القصصي يرسم في المملكة أسماء جديدة نجحت في مجال القصة القصيرة، لكن في مجال الرواية ما زلنا في الخطوات الأولى وهذا يعود إلى مشكلة إن الرواية بطيئة مقارنة بالحركة القصصية وهذا يعود إلى بطء عملية التحديث الاجتماعي في المملكة.
الرواية تحتاج إلى رؤية بعيدة ومراقبة وتسلسل أحداث وعندنا تسلسل الأحداث بطيء إلا إذا قارناه بالسنوات العشرين الأخيرة أو العقد الأخير تحديداً بعد أحداث 11 أيلول التي أنتجت زلزالاً حقيقياً في المجتمع السعودي. هذا إلى جانب عنصر آخر وهو إذا كنت تنتمي إلى مجتمع شديد الخصوصية يعني أن تفكر ألف مرة قبل أن تمسك القلم وتعري مجتمعك. ولهذا سلبياته وقد تكون له ايجابياته لا ادري.
 

– غادة في الرواية قرأت فرجينيا وولف وتشيكوف ودستويفسكي وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وعبد الحليم عبدالله وجبران خليل جبران وآخرين، هل هي نفس المؤثرات بالنسبة للكاتبة زينب الحفني؟

 
-كل من اقرأ له أكون مدينة له ويترك لديّ أثراً وعناصر تساعدني في بناء لغتي ومساري الفكري والأدبي.
تشيكوف في مقدمة هؤلاء وشدني إلى قضية الهم الإنساني وهم المرأة. وتسحرني لغة دستويفسكي عن العوالم السفلية ، ويوسف إدريس كاتب قصصي رائع فيما البعض اخذ عليّ تأثري الشديد بإحسان عبد القدوس وكل الأسماء التي ذكرتها هي أسماء كبيرة تركت أشياء كثيرة تحت أيدينا بالتأكيد.
 

***
 

﴿ صحيفة الشرق الأوسط الدولية ﴾

زينب حفني: من لا يمتلك جرأة تعرية السلبيات فليبتعد عن كتابة الرواية
الروائية السعودية لـ«الشرق الأوسط»: وددت لو سميت روايتي «لم أعد أبكي» بـ«هزيمة رجل»

بيروت – 22 مارس 2004
سوسن الأبطح

 
رواية زينب حفني الثانية، لا تقل جرأة عن سابق كتبها. فبعد أيام قليلة على صدور «لم أعد أبكي» عن «دار الساقي»، لفتت الرواية الأنظار بسبب تسليطها الضوء على سلوكيات تدور في المجتمع السعودي، تجعل قراءة هذا المجتمع ـ الذي ما يزال مجهولاً عند الكثيرين من القراء العرب ـ في متناول اليد. لكن إلى أي حد وفّقت زينب حفني في تصوير مجتمعها، أو شريحة معينة منه، كما تقول، ولماذا لجأت إلى ذكر تفاصيل في عملها تثير شبهة حول كون هذه الرواية سيرة ذاتية لكاتبتها أكثر من أي شيء آخر؟ في مقابلة لـ«الشرق الأوسط» مع زينب حفني، حين حطت في بيروت لأيام معدودات، كانت الاستفهامات جاهزة، والإجابات أيضاً:
 

– في الصفحات الأولى من روايتك الجديدة «لم أعد أبكي»، تقدّمين الأم على أنها نقيض ابنتها غادة. فالأولى بائسة، حزينة، سلبية ومنعزلة، فيما الثانية تضج بالأنوثة والأحلام، هل تعتقدين أن هناك جيلين من النساء السعوديات متناقضان إلى هذا الحد؟

 
– وجود جيلين متناقضين ليس مقتصراً فقط على المملكة. في كل أنحاء المنطقة العربية هناك جيلان من النساء مختلفان حد التناقض. وهذا نعثر عليه في سورية ولبنان ومصر، فالتعاقب والتغيير الاجتماعي يجعلنا نرى جيلاً قديماً كما هو حال أم غادة التي محور حياتها هو الزوج، وحين تفقده كما حدث في الرواية، تعتبر حياتها قد انتهت، أما البنت كما صورتها فلها طموحات أخرى. الرجل محور نعم بالنسبة لغادة لكن لديها أيضاً تطلعات ورغبات في مجال الصحافة والتطور في المهنة.
 

– لكن، لو ذهبنا إلى نهاية روايتك لوجدنا ان هذا الاختلاف الذي تعتبرينه جوهرياً، لم يرسم لغادة مصيراً أفضل من مصير الأم؟

 
– هذا غير صحيح..
 

– إذا كانت الأم قد عاشت زواجاً فاشلاً فإن الابنة انتهت إلى تجربتي حب فاشلتين ولم تستطع حتى أن تتزوج؟

 
– لا أوافقك الرأي. قالت بطلتي في النهاية: «لن ألقي بنفسي في البحر قبل أن تغرق السفينة». المقطع الأخير من وجهة نظري كروائية يمثل «غادة الجديدة»، ثم هناك صوت الهاتف الذي يرن تاركاً النهاية مفتوحة تماماً، وقد يكون على الجانب الآخر ناصر (الذي أحبها) جاء يسد الفراغ أو خبر سعيد ما يغير مسار البطلة المنكسرة.
 

– لا يخفى على قارئك إن بطلاتك رغم قصصهن العاطفية المدوية يختفي الأحباء من حياتهن ويبقين وحيدات؟

 
– هذا أمر يحدث كل يوم، وما الضير في ذلك. أنا لا أروي حكاية امرأة واحدة بعينها. ثم إن تراكم التجارب الحياتية التي تتحدثين عنها تصقل الشخصية. فما مرّ على غادة من مغامرات قد يجعلها أكثر قدرة وصلابة على مواجهة واقعها، وقد تتمكن بفضل ما عانته من أن تصل في علاقات مقبلة إلى أماكن أبعد وأنجح.
 

– في الرواية محاولة ملحة لإظهار إن هناك في حياة الناس الظاهر والباطن؟

 
– أعتقد أن مجتمعنا العربي بأكمله لديه ازدواجية. هذا يعود لنشأتنا، حيث نتعلم في البيت غير ما نتعلمه في المدرسة، ثم نرى في الجامعة شيئاً آخر ونكتشف بعد ذلك أن الحياة مختلفة عن كل الذي تعلمناه في السابق.
 

– وهل هذا يعني أن تكون لنا حياة تحت الأرض وأخرى فوقها؟

 
– هذا ليس حال المجتمع السعودي وحده. يوم نربي أبناءنا على الصراحة والوضوح ومواجهة مشاكلهم ومتطلباتهم بصدق ستختفي الازدواجية من العالم العربي. في روايتي أذكر حالات شاذة ولا أقول إنها القاعدة. وهي حالات قد نجدها في أي بلد عربي آخر، حيث ثمة شخصيات تعيش في النهار غير ما تعيشه في الليل.
 

– في روايتك جرأة كبيرة، هل تعتقدين أن الرواية السعودية قطعت شوطاً مهماًَ في التعبير عن معضلات مجتمعها؟

 
– لم تأخذ الرواية في المملكة حقها بعد، وإن كانت القصة القصيرة تشهد ازدهاراً واضحاً، وذلك لأسباب عديدة. أولاً، كي تنجح الرواية لا بد أن تكون ثمة مسافة فاصلة بين حركة التغيير الاجتماعي ونظرة الكاتب لها، وحركة التغيير في السعودية بطيئة جداً نسبة إلى المجتمعات العربية الأخرى. ثانياً، مجتمعنا شديد الخصوصية وشديد الغيرة على خصوصيته. والرواية هي عملية تعرية للواقع ومتابعة لتطور مجتمع وتغيراته تمنح الروائي القدرة على تكوين رؤاه الخاصة. فإن كان الروائي يملك الجرأة على تعرية سلبيات المجتمع وتشريحها فليكتب، وإذا كان لا يمتلك هذا الحس فليبتعد. بسبب البطء في التغيير المجتمعي وقفت الرواية السعودية عند حد معين، إنما بعد 11 سبتمبر بإمكاننا أن نلمس ثورة في نمط التفكير تطفو على السطح، وكأنما التوجه عند الناس انشطر إلى شقين: شق يتشبث بالعادات والتقاليد بقوة وشق آخر ينادي بالتغيير. وعدم حدوث توازن بين جناحي المجتمع يجعل النظرة ضبابية أيضا ومشوشة. لذلك أقول إن روايتي لا تعكس التغيير الحاصل للأسباب التي ذكرتها، لكنني ركزت بشكل أساسي على علاقة المرأة بالرجل لأنها علاقة أزلية وستظل بمشاكلها التي نعرفها إلى يوم القيامة.
 

– على النحو الفاشل الموجود في الرواية، أوليس في هذا الأمر ما يشبه الكارثة؟

 
– نعم عقدة الذكورة عند الرجل الشرقي ستبقى، وستحتاج لأجيال كثيرة جداً كي يتغير الوضع. شخصية طلال السعدي في الرواية هي نموذج للرجل الشرقي النزيه، المثقف، الذي يتمسك بقيمه لكنه في الوقت نفسه يؤمن بتحرر المرأة وحقها في صون كرامتها. لكنه حين يصل إلى أن يقرر الزواج من فتاة لها ماض تطفو ذكوريته على السطح ويرفض الارتباط بها. التعلم في أوروبا والاختلاط والانفتاح لا يجديان شيئاً عند اتخاذ القرار إذ يعود الرجل للاحتكام إلى بيئته ومكان تنشئته الأول.
 

– كثيرون يقولون انك تكرهين الرجال؟

 
– «تضحك طويلاً» لا غير صحيح على الإطلاق، وليس عندي مشكلة مع الرجل أو الرجال، بل أعتقد أن بعضهم قد يكون أصدق من المرأة.
 

– لكن بطلك طلال السعدي الذي تعتبرينه نموذجاً للرجل العربي يترك حبيبته في النهاية وكأنه يستقيل من مجتمعه وهمومه ويرحل وهو يقول لها صراحة: «كان عليّ أن اترك هذه المعركة للمرأة تخوضها»، وهو يلوم نفسه لتدخله في ما لا يعنيه؟

 
– ليس هناك من يدافع عن قضية بقناعة إلا أصحابها. لماذا دوماً نهاجم الرجل ثم نلجأ إليه ليحل لنا مشاكلنا المادية منها وحتى الأسرية. قضية المرأة لا تحلها سوى المرأة لذلك حين أرادت بطلتي غادة أن تستقيل من وظيفتها كمديرة تحرير، تذكرت كلمات طلال السعدي لها، وعادت عن قرارها.
 

– الانطباع الأول الذي تتركه روايتك عند قارئها هو سيرتك الذاتية، فالبطلة صحافية وأنت كنت كذلك، وهي خريجة جامعة الملك عبد العزيز مثلك تماماً، هذا عدا ذكرك لأماكن بعينها وأسماء معروفة في المملكة وتواريخ محددة؟

 
– أشعر بان الرواية الأولى للكاتب فيها عادة مسحة من السيرة الذاتية، كما روايتي «الرقص على الدفوف»، لكن الكاتب سرعان ما يتجاوز هذا الوضع. ولا أنكر بأنني اخترت مهنة الصحافة لبطلتي لأظهر الجانب السلبي الذي تعيشه المرأة في هذه المهنة، لا سيّما في المملكة، حيث عندنا مديرات تحرير، لكنهن لا يمتلكن القرار وبذلك فوجودهن صوري. وفي المقابل رأينا رئيسات تحرير سعوديات منذ سنوات عديدة لكن في لندن أو بيروت مثل فاتنة أمين شاكر التي ترأست تحرير مجلة «سيدتي» الواسعة الانتشار أو سميرة خاشقجي، لكن في السعودية ما يزال الأمر غير مقبول وهذا عائد لنظرة المجتمع للمرأة لا لضعف في إمكانياتها.
 

– إلى ما تعزين بزوغ نجم كاتبات سعوديات في الصحافة والأدب في السنوات الأخيرة ويكاد يضاهي أو يتفوق على الحضور الرجالي؟

 
– على عكس المجال الصحافي، تقدمت المرأة في المجال الأدبي، وذلك عائد لطبيعتها المقدامة، في ما الرجل يتردد ويفكر ألف مرة قبل أن يقدم، والأهم ربما هو إن النساء وجدن في الكتابة متنفساً للتعبير عن مطالبهن وإحساسهن بالإجحاف الذي يلاقينه، والتغافل عن حقوقهن حتى تلك التي تمنحها لهن الشريعة مثل حضانة الأطفال أو مأوى للمرأة بعد الطلاق، أو إعالتها حين لا تكون عاملة. هذه أمور لم تحلّ بعد، ووجدت لها تعبيراً صارخاً بالقلم، هذا كله يفسر، ربما، قوة قلم المرأة.
 

– تدينين باستمرار غياب الرجل، ففي روايتك الأخيرة مثلاً نجد أن وصول ورقة الطلاق إلى الأم يقترن مباشرة بوقوع البنت غادة يوم كانت ما تزال صغيرة في حضن حارس المنزل، ضحية لرغبته وحاجتها للحنان في آن واحد؟

 
– ما أدينه هو غياب دفء الأسرة، ففي الرواية الأم انطوت على أحزانها وانسحبت من الحياة في ما الزوج لم يضح من أجل ابنته، وفضل على ذلك أن يتزوج بأخرى. أقول ذلك لأنني عشت في منزل دافئ وحنون. وكان والدي معطاء إلى أبعد الحدود وأمي بسيطة وطيبة. ومن يحصل على هذه النعمة لا بد أن يفكر بمن حرمها. ثم إن والدي كانت له اليد الطولي في تثقيفي فقد كان يرافقني إلى المكتبات الكبرى في مصر لأنتقي ما أريد من الكتب من دون أن يمنعني من قراءة أي كتاب كان. وفي قرية أمي المصرية الأصل حين كنا نذهب في الأجازات تعلمت من الفلاحين المصريين البساطة وهموم الإنسان. هذا كله ساعد في تكويني. ثم هناك من يظن أن الكاتب هو مشروع فردي، لكن الحقيقة غير ذلك فأنا مدينة مثلاً للمدرسة التي تعلمت فيها في جدة. فقد تخرجت من «دار الحنان» وتلك كانت مدرسة نموذجية أقامتها الأميرة عفّت زوجة الملك فيصل، وهي مدرسة كنا نتعلم فيها الموسيقى والرياضة والتمثيل عدا خروجنا في رحلات وارتيادنا المكتبة.
 

– بطلك طلال السعدي يسطر في خاتمة الرواية رسالة يدين فيها مجتمعه ونفسه، إنها رسالة أشبه بمحاكمة، لكن المثير انه يطلب من حبيبته أن تكمل المشوار بعد أن يرحل، فهل هذا إشهار لهزيمة الرجل؟

 
– نعم، لو سألتني ماذا كان يمكن أن تسمي روايتك بدلاً من «لم أعد أبكي» لقلت لك «هزيمة رجل».
 

– من ناحية ثانية نجد أن النماذج النسائية لا تنقصها الحرية، فهن يسافرن ويرتحلن ويحببن ويعملن ولا يعوزهن شيء فعن أي سجن نتكلم، هل هو سجن معنوي؟

 
– القضية ليست سفراًً وترحالاً، وإنما هو سجن نفسي كما سميته. فحينما تجدين الهدف وتحقيق الذات وتعرفين ما تريدين في الحياة، بإمكاننا عندها أن نتحدث عن حرية حقيقية. المرأة تعاني من مشكلة مع نفسها، وحين تحل هذه المشكلة يمكنها بعد ذلك أن تتصالح مع الرجل ومع مجتمعها.
 

– وهو ما لا تقولينه في هذه الرواية الاحتجاجية؟

 
– أردت أن أقول ضمناً بأن الحرية ليست أن تفعلي ما تريدين وبعشوائية يترتب عليها الخراب، وإنما أن يتاح لك الاختيار وان تحسني هذا الاختيار، وتكونين مسؤولة،عما تفعلين. أما حرية التنقل الجغرافي وضبابية الرؤيا التي تخلق من المشاكل والأخطاء الكثيرة، وهي أخطاء يترتب عليها دمار حياة وأعمار، فهذه ليست من الحرية في شيء.
 
***
 

﴿ صحيفة اليوم ﴾

الملحق الثقافي
أخاطب القارئ العادي وليس النخبة
زينب حفني لـ اليوم: الطعنات القاتلة في ظهري جعلتني أفكر في إلقاء أوراقي

13 ديسمبر 2004
طامي محمد

 
بنوايا الثورة والكشف عن المستور تكتب زينب حفني..وبهاجس الوصول إلى القارئ العادي تكتب روايتها.. فهي لا تعول على النخبة المثقفة في التعايش مع تجربتها الروائية . وتظل تجربتها الروائية محرضة للكل وهي تلامس بجرأة مسلمات وقناعات تحتاج إلى مهارة روائية في الكشف عنها..
وفي هذا الحوار لـ(اليوم) نرصد قناعات زينب حفني في الكتابة وبالتحديد في إصدارها الروائي الأخير (لم أعد أبكي ) – المسافة بين المتلقي والناقد
 

– مابين نساء تحت خط الاستواء ورواية (لم أعد أبكي) مسافة زمنية فهل هناك مسافة على المستوى الفني.. كيف تجدين التجربتين من خلال ردة الفعل لدى المتلقي والناقد؟

 
– لقد حرّكت في فكري ذكريات الماضي بسؤالك هذا. هناك بالفعل مسافة زمنية تصل إلى عدة سنوات تفصل بين مجموعتي القصصية (نساء عند خط الاستواء) وبين روايتي الأخيرة (لم أعد أبكي). لم تمر هذه السنوات هباء، فقد عشتُ خلالها حالة شد وجذب، وتعرضت لحملة شرسة، وتلقيتُ طعنات قاتلة في ظهري، وأحسست في لحظة من اللحظات بالضعف الآدمي الذي يمر به أي إنسان منا، إلى الحد الذي جعلني أفكر في أن ألقي بأوراقي وأقلامي وأبتعد عن عالم الحرف، لكن بقوة إرادتي، وتشبثي بحلمي، تجاوزت محنتي، ومسحت دمعي، وداويت جراحي، إلى أن وصلت إلى ما أطمح إليه، في تعزيز مكانتي كأديبة شمولية تكتب المقال الصحفي والقصة القصيرة والرواية والقصيدة النثرية كذلك. لم أحقق هذه المكانة على المستوى المحلي فقط وإنما تجاوزتها إلى المستوى العربي أيضا. وأتطلع لليوم الذي أصل فيه إلى العالمية، وقد تـمت بالفعل ترجمة مقاطع من روايتي الأخيرة (لم أعد أبكي) إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية. لذا أقولها اليوم وبكل ثقة، أنني نجحت في أن أكون في مقدمة الصفوف، وأن أضع بصمة مميزة لي في تاريخ الأدب النسائي السعودي.
لديّ قناعة راسخة بأن قارئ الأمس ليس بقارئ اليوم الذي أعتبره أكثر تفهما ونضجا، وهذا ما لمسته من ردود الأفعال على روايتي، من خلال الرسائل التي تصلني عبر بريدي الإلكتروني، حيث ان الكثيرين يرون ان مواجهة العيوب، وتعرية الحقائق، هي التي ستجعلنا قادرين مستقبلا على أن نسمو بمجتمعنا ونقضي على آفاته الضارة.
سألتني عن النقاد!! للأسف إلى اليوم لم يتجرأ ناقد أدبي سعودي على تناول نتاجي الأدبي بجدية وعمق، لا أجد سوى نقد سطحي تنشره الصحف هنا وهناك. قلة من خارج النطاق المحلي نقدوني بموضوعية، ومن هؤلاء الناقد المغربي “محمد معتصم” وقد أعجبني تناوله للرواية وبيّـن نقاط ضعفها وقوتها، ومن مقالته النقدية أقتطع هذه العبارة التي يقول فيها (..كتابة زينب حفني ليس فيها غلو، لذا لا تُـعد من الكتابات النسوية، بل هي كتابة موضوعية تجاهد من أجل إيجاد مجتمع وإنسان سويين على مشارف الألفية الثالثة… تبقى الكتابة عندها دليلا على أن الحداثة في الكتابة، أو ما يُـعرف بالتجريب، ليست رغبة بل هي ضرورة مشروطة بسياقات ثقافية وفكرية وسياسية واجتماعية، والحداثة ليست شكلا فحسب فقد تكون في المضمون، فالمواضيع التي تعد متجاوزة في بعض البلدان العربية والغربية، تبدو أساسية في بلدان أخرى، وبالتالي فالحداثة زمنية وتاريخية.
 

– طعنات في الظهر

 

– هل تسمين النقد الذي حدث لمجموعتك القصصية (عند خط الاستواء) طعنات في الظهر… وهل هذه هي رؤيتك للنقد… ثم عمل بتلك الجرأة ألم تكن لديك قدرة على التنبؤ بردة الفعل التي كانت؟

 
– من قال إنني من اللاتي يدرن وجوههن عن النقد البناء!! النقد الهادف يأخذ بيد الأديب، يريه المنـزلقات الخطرة، ينبهه للمسالك المهلكة. لكن الذي جرى ليست له علاقة بالنقد من بعيد ولا من قريب!! ولو رجعت إلى الأرشيف الصحفي وقرأت ما كتب في تلك الآونة، لوجدت أنها كانت مجرد ردود أفعال غاضبة، سطحية المحتوى، وعبارات لإثارة الرأي العام ضدي، وألفاظ منمقة تتغنّـى بقيم ومثل المجتمع، ووجوب احترام خصوصية مجتمعنا السعودي، كأننا مجتمع منـزه عن الخطايا!! مع هذا كانت هناك فئة محدودة هبت للدفاع عني لإيمانها بأن إصلاح الإعطاب يبدأ بالمكاشفة ومواجهة الحقائق المتوارية.
تسألني: ألم تتوقع ردة فعل قوية من المجتمع؟! أقول لك صراحة بأنك أحيانا تقدم على فعل جريء لغرض نبيل في نفسك، وتكون ثقتك كبيرة فيمن حولك، لكنك تُـفاجأ بأن ما توقعته كان وهما، وما حلمت به كان سرابا، وأن تيار الأعراف والتقاليد يُصبح أشرس وأقسى من تواجهه بمفردك وهذا ما جرى معي. ومع هذا أؤكد لك إني غفرت لكل الذين أساءوا إلي، واستطعت التحرر من أضغاني تجاههم، وهذا ليس ضعفا في شخصيتي بل دليل قوة. وهنا أتذكر الرواية الإنسانية الجميلة (تلك العتمة الباهرة) للأديب الطاهر بن جلون الذي يقول على لسان بطلها: كم كان مرهقا أن أقضي وقتي منصرفا إلى تقطيع كل من تسببوا لي بشيء من الألم، بتحويلهم إلى أشلاء.. كان غرضي تجاوز فكرة الثأر حتّـى لم أعد أجد أحدا ابغضه.. أصبحتُ رجلا حراً.
 

– العالمية

 

– هل ترجمة مقاطع من رواية (لم أعد أبكي) دليل على الوصول للعالمية؟

 
– أنا لم أقل إنني وصلت للعالمية، بل قلت إنني أطمح إلى العالمية. وأعتقد أن أحلامنا حق مشروع لنا طالما أنها تعيش في وجداننا، نهدهدها في المهد حتّـى تشبَّ عن الطوق وتمرح بحرية في رحاب أيامنا. طريق العالمية شائك وطويل، لكن ترجمة مقاطع من روايتي أعطتني بارقة أمل بأنني وضعت قدمي على بداية الطريق. احلم يا أخي الكريم، فكم هو جميل أن نبسط أحلامنا أمام الملأ لكي يشعر الآخرون بأننا نعيش في قلب الحياة وليس على هامشها.
 

– بين العناية والكشف

 

– هل كان رهانك في نجاح رواية (لم أعد أبكي) على كشف المستور في المجتمع بعيداً عن العناية الفنية بلغة السرد؟

 
– أولا أريد أن أؤكد إن روايتي لا تفتقد العناصر الفنية بل هي حاضرة فيها، والرواية الناجحة لا ينحصر نجاحها في الارتكاز على النواحي الجمالية الخارجية، وإهمال روح الرواية المتمثّـل في شخوصها ودقة تصوير أحداثها. هناك العديد من الأدباء وظفوا قدراتهم اللغوية في مضامين رواياتهم وتحاشوا الاقتراب من المناطق الوعرة، والنتيجة خروج رواياتهم في قالب بارد وبقاؤها حبيسة الرفوف، لأن القارئ لم يعرها أدنى اهتمام!! هل تعرف ماذا كان رهاني على نجاح الرواية؟! أنني أخاطب القارئ العادي وليس النخبة المثقفة. نجاح روايتي يمكنني من إيجاد شخوص حيّـة تتحرك على الورق، يسمع أنّـاتها كل من يلاحق سطورها، ويتفاعل مع أحداثها. نجاح روايتي نابع من تمكني من إبراز جانب مظلم من واقعنا الاجتماعي يتم التستر عليه.
الرواية الناجحة من وجهة نظري هي التي تحرر نفسها من عقدتي الذنب والخوف وتحلّـق بحرية في فضاءات الإبداع، وتغوص بيدها دون تردد في تربة العلاقات الإنسانية.
ودعني أكرر لك عبارة الأديب د.هـ لورنس : (الرواية وحدها هي القادرة على تقديم الحياة بأكملها).
 

– علاقة مغلوطة

 

– هل من المعقول أن تنشأ على علاقة عاطفة قوية لدى غادة مع زيد وهو الذي مارس تحرشاته وهي طفلة؟

 
– هناك خيط رفيع بالكاد تبصره العين يفصل بين حالة الاعتياد وحالة الحب. قد تجرب شرب سيجارة بدافع الفضول لمعرفة طعمها، فتستسيغها وتكرر فعلتك مرارا، ثم تجد نفسك مع الوقت لا تستطيع التخلّص منها وتصبح جزءا أساسيا في حياتك.
غادة كانت ضحية أم أهملتها بالغرق في أحزانها، وأب غاب عنها في دوامة الحياة، وكان زيد الوسيلة الحاضرة ليملأ هذا الفراغ. كبرت غادة على هذا العالم وعندما أدركت معانيه كان الوقت قد فات وأصبح زيد بالنسبة لها نوعا من الإدمان الغريزي.
مشكلة الكثير من الناس أنهم يطلقون أحكامهم على ما يجري أمامهم من أخطاء بشرية بنظرة صارمة، مع النفس البشرية أعمق وأشمل من أن نحصرها في هذه الدائرة الضيقة، وفي الحياة نماذج عديدة لنفوس ضعيفة انساقت خلف رغباتها، وسقطت في بؤرة المحظورات حين وجدت نفسها تتسكع وحيدة في العراء.
 

– نموذج ملتبس

 

– غادة نموذج ملتبس فهناك قدر من الضبايبة في شخصيتها.. فهي برغم ثقافتها وطموحها الشخصي إلا أننا نجدها على المستوى النفسي مرتبكة وقلقة هل تعمدت وضعها في هذا النموذج الملتبس؟

 
– غريب أمرك أخي الكريم. أنت تنتمي لعالم الحرف وتعلم أن هناك الكثير من المواقف المزدوجة المعايير يقع المثقف في فخها، خاصة فيما يخص الجانب الشخصي من حياته!! فهو من خلال كتاباته يتطلع إلى إيجاد مدن فاضلة، لكنه على الجانب الآخر قد تنـزلق قدماه في مسالك وعرة دون أن يدري. غادة في نهاية الأمر كائن بشري يجري عليه ما يجرى على كافة البشر، وأعتقد إن في أعماق كل منا عقدة ما، قد ترقد في مكانها إلى نهاية العمر، وقد تظهر على الملأ إذا تكالبت الظروف ودفعتها إلى السطح لتلهو بحرية دون أن تملك النفس قدرة السيطرة عليها أو وضع حد لجموحها .
 

– ألا تعتقدين أن العمل الروائي العميق لا ينهض بالاتكاء على السرد التقريري وأسلوب الوعظ الذي كان حاضرا في رواية (لم أعد أبكي)؟

 
– لا أعرف كيف حكمت على روايتي بأنها اتكأت على أسلوب الوعظ؟! إذا كنتَ تقصد رسالة الدكتور طلال السعدي، فهي رسالة اعتراف من رجل مهزوم عاش الازدواجية في أعماقه وأضطر للهرب بعيدا حين وجد نفسه في محك صعب. أتدري ماذا يقول “هنري جيمس” أول ناقد روائي في الأدب الإنجليزي؟! يقول (الرواية الجيدة هي التي تتسم بالحياة، والرواية الرديئة هي التي لا تتسم بالحياة) . أنا أؤمن بأن الفن للحياة، وأن الرواية في الأصل ما هي إلا عملية لا أخلاقية، أتدري لماذا؟! لأنك تقوم بثورة على الواقع وتفضح بقلمك كل الحقائق المتوارية خلف الأستار، من خلال الغوص في أعماق النفس البشرية بكل ما فيها من متناقضات.
 

– إدانة للمثقف

 

– نموذج طلال هل تعتقدين أنه إدانة للمثقف السعودي الذي يتعامل مع واقع المرأة كشعارات براقة ولكن عند التطبيق يتحول لذلك الرجل الشرقي ويتساوى مع غيره من الرجال؟

– بل هي إدانة للمثقف العربي في كل مكان، فهناك صراعات تدور في داخله، بين ما ينادي به في كتاباته التحررية، وبين نظرته الدفينة للمرأة، وعند أول منازلة حقيقية تخفت هذه النبرة الحضارية وتطفو على السطح عقدته الذكورية، وهذا يعود إلى جذوره التربوية التي نشأ عليها في مجتمع ضخّـم الأنا في داخله، فهو ظاهريا ينبهر بالمرأة المثقفة، الواعية، التي تشاركه تطلعاته، وتناقشه في طروحاته، وتُـوقد فكره، لكنه في داخله يتهيّـب منها كونها امرأة اعتادت مثله التنقيب عن الحقيقة تحت وهج الشمس!! لذا حين يقرر الزواج يبحث عن أخرى مغايرة عنها، امرأة يكون الرقم الأوحد في حياتها وتستعذب التبعية له.
 

– الموت في الرواية

 

– كثرة حالات الموت في الرواية هل هي برغبة التخلص منهم لأنهم أصبحوا عبئاً على الرواية؟

 
– لا تظن إن الروائي يملك القدرة الكاملة على التخلّـص من أبطال روايته، أتدري لماذا؟! لأنهم سكنوا في مساحة فكره ليالي طويلة. إن مهمة الروائي الأساسية تنحصر في إيجاد أبطال روايته ثم تركهم لمصائرهم، هم وحدهم الذين يقررون البقاء أو الموت حسب الظروف التي يمرون بها في حياتهم. ألا نحس جميعنا في كثير من الأحيان بأن هناك يدا خفية تقودنا دون أن ندري إلى اتخاذ مواقف لم تخطر على بالنا، ولم نخطط لها يوما!! إذن ما وجه الغرابة إذا أختار أبطال روايتي نوعية نهاياتهم حتّـى ولو كانت مأساوية!
 

– الناقد السعودي

 

– ما تفسيرك لإحجام الناقد السعودي عن تناول الرواية نقديا.. بينما يأتي النقد من الناقد العربي؟

 
– للأسف معظم النقاد السعوديين ولا أقول جميعهم، ترحل أقلامهم بعيدا خارج أسوار الوطن، ويغمسون مداد أقلامهم للتحدّث عن الإبداعات العربية، ويدلون برأيهم في الجديد بالآداب الغربية، كأن الانشغال بهذا العالم سيرفع من قامتهم الأدبية ويُرسّـخ أقدامهم في المحافل العربية والدولية!! دور الناقد الحقيقي يبدأ بالاهتمام بنتاج الأدباء الواعدين في مجتمعه من الشباب من الجنسين، ونقد نتاجهم بموضوعية، وتحديد موقعهم على خريطة الأدب حتّـى يصبح لدينا في المستقبل أدب راسخ نتباهى به أمام الأمم.
بخصوص نتاجي الأدبي!! أعتقد أن انصراف النقاد عن نتاجي الأدبي، يعود إلى خشيتهم من التطرق لهذا النوع من الأدب حتّـى لا يقعوا في صدام مع شرائح المجتمع. لقد قرأت ان أشهر كاتبة في الصين مُـنعت رواياتها من التداول داخل الصين بحجة أن جميعها تتحدث عن قاع المجتمع الصيني، فكيف الحال إذن بمجتمعاتنا العربية التي ما زال هذا النوع من الأدب موضع جدل في الأوساط الثقافية!! وهو ما يجعلني أبرر للنقاد السعوديين موقفهم الصامت تجاه نتاجي الأدبي.
 

– المبدعة السعودية

 

– إلى متى والمبدعة السعودية تمارس تكريس نموذج الرجل الشرقي الغرائزي وفي المقابل تقديم المرأة في صورة الضحية؟

 
– معروف عني أنني كاتبة معتدلة في نظرتها للرجل، وهذا الجانب يبرز في الكثير من قصصي سواء في مجموعتي القصصية (نساء عند خط الاستواء)، أو مجموعتي (هناك أشياء تغيب) أو حتّـى في روايتي (لم أعد أبكي( . أما إذا كنتَ تعني بسؤالك أدب المرأة السعودية بصفة عامة، فأعتقد أن مشكلة الأديبة السعودية تنحصر في تحاشيها السقوط في قبضة المجتمع حتّـى لا تتهم بأنها امرأة تدعو إلى التحرر والانفلات الأخلاقي، مما يجعل قلمها يرجف وهي تُسطّر إبداعها، فهي تكتب على الورق بعين واحدة، والعين الأخرى تُـراقب بها ردود أفعال مجتمعها، وهو ما يجعل كتاباتها تئن بالنظرة المنكسرة السلبية وتصوير المرأة كفريسة مستباحة من الرجل دوما. لكن هذا لا ينفي وجود أديبات سعوديات وإن كنَّ قلة، استطعن كسر هذا الحاجز الوهمي وتناولن القضية الشائكة في علاقة الرجل بالمرأة بنظرة موضوعية لا مبالغة فيها، وجرأة لا هوادة فيها.
 

– المصادفة

 

– بينما كان زيد يمثل صورة الرجل الآخر الذي يستغل طفولة غادة… نجد طلال السعدي يمارس نفس الاستغلال مع الخادمة الأفريقية.. هذا الترميز هل جاء من باب المصادفة؟

 
– لم أتعمّـد وضع مقارنة بين هاتين الواقعتين، بل أردت التركيز على التجربتين اللتين مر بهما طلال، علاقته الأولى بالخادمة الأفريقية، وعلاقته الأخرى بغادة، أردت إظهار مدى استغلال طلال لعواطف كل من زبيبة وغادة على الرغم من التفاوت الطبقي بين المرأتين!! هناك رسالة متعمدة، أن المرأة تظل امرأة مهما كان موقعها على خريطة المجتمع!!
 

– التحولات السريعة

 

– التحولات السريعة لشخصية سلوى غير منطقية سواء على مستوى الزمن أو الحدث.. هذا يمنحنا شعورا بأن الشخصية لم تُكتب بعناية؟

 
– لقد تحاشيت في روايتي التطرق إلى تفاصيل روتينية حتّـى لا يمل القارئ من متابعة الأحداث. من وجهة نظري، أعتقد أنني وفيت (غادة) حقها من خلال التوغّـل في كل ظروف حياتها بدءا من نشأتها إلى اللحظات المتفائلة الأخيرة التي رن فيها جرس الهاتف.

***
 

﴿ صحيفة إيلاف الإلكترونية ﴾

الكاتبة والأديبة السعودية زينب حفني
تعرضتُ لصدامات كثيرة مع بعض الفئات داخل مجتمعي
المرأة العربية تقهقرت اجتماعياً وفكرياً

2004 م
بشير البحراني

 
الكاتبة والأديبة (زينب حفني) واحدة من المثقفات السعوديات اللاتي استطعن أن يتفوقن ويتميزن في تجربتهن الصحافية والكتابية. وهي خريجة كلية الآداب بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة، عملت في الحقل الصحافي، وأصدرت عدة مؤلفات في النثر الشعري والقصة القصيرة والرواية، ومن ضمن أعمالها الأخيرة مجموعة قصصية بعنوان: (هناك أشياء تغيب)، كما تكتب مقالاً أسبوعياً في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية منذ عام 1999م، وقد جمعت بعض هذه المقالات في كتاب بعنوان: (مرايا الشرق الأوسط).
 
تلتقيها (إيلاف) في حوارٍ يطل على تجربتها الكتابية، ويناقش إشكالية المرأة العربية ودورها الثقافي.
 

– لماذا أصبحت المرأة في مجتمعاتنا العربية محطّاً لنقاشات طويلة وعريضة، حيث طرحت حولها العديد من الإشكاليات بين مؤيد ومعارض؟ وهل ستستمر مثل هذه الحالة الجدلية؟

 
– نعم ستستمر هذه الحالة الجدلية!! العلاقة الشائكة بين الرجل والمرأة، قضية أزلية وليست وليدة الحاضر. والمرأة اليوم في حالة شد وجذب، فهي تريد تحقيق ذاتها بعد أن دخلت مضمار الحياة العملية، وفي نفس الوقت تحاول نفي التهم اللصيقة بشخصها، بأنها أهملت أدوارها الأساسية في رعاية الأسرة وتربية النشء وتهيئته لقيادة المستقبل. كما أن المغريات الحياتية التي تحاصر المرأة من كافة الاتجاهات، وارتفاع نسب الطلاق، والتي أصبح بعض الرجال يلوّح بورقة الطلاق في وجه المرأة لإخضاعها لأهوائه، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في العالم العربي، بجانب التربية الخاطئة التي ينشأ عليها الأبناء داخل البيت، من خلال التفرقة بين الولد والبنت، والتعامل مع البنت بدونية، مما أدى إلى تضخيم الأنا داخل الرجل الشرقي، كل هذه العوامل مجتمعة ساهمت في اتساع الفجوة بين الرجل والمرأة. لذا لا بد أن يتربى الطفل الذكر على أن المرأة تمثل نصف المجتمع، تشاركه أفراحه وأتراحه، وأنها كائن وليس مجرد جسد مسخر فقط لمتعته. إنني أدعو دوماً من خلال مقالاتي إلى بناء شخصية المرأة منذ الصغر بزرع الثقة في نفسها، وعلى توسيع مداركها، وتثقيف فكرها، مما يجعلها قادرة مستقبلاً على الاستقلالية برأيها فيما يخص حياتها، وتكون أكثر دراية وحنكة في التعامل مع مستجدات الواقع.
 

– كيف تقيمين دور المرأة الثقافي في العالم العربي بشكل عام وفي منطقة الخليج العربي بشكل خاص؟ وهل هو في حركة اضطرادية أم تراجعية؟

 
– لا أعرف ماذا تقصد بسؤالك!! إذا كنتَ تقصد المرأة العربية بصفة عامة، أعتقد أنها بالرغم من حصولها على حقوقها السياسية والتعليمية في العديد من البلدان العربية، إلا أنها تقهقرت اجتماعياً وفكرياً، وهذه للأسف حقيقة لا يمكن إنكارها. انظر حولك ستجد أن المرأة أصبحت تستغل أسوأ استغلال، وعادت أسواق النخاسة بثوب عصري من خلال الإعلانات التلفزيونية، والبرامج الغثة المضمون، والأفلام الهابطة، بجانب ما يجري خلف الأبواب المغلقة!!
 
أما إذا كنت تقصد المناخ الثقافي الحالي!! فهو مكبّل مقارنة بالخمسينات والستينات، والجسور الثقافية بين المثقفات العربيات من جهة، والمثقفات في منطقة الخليج العربي من جهة أخرى، ما زالت تتخللها ضبابية في الرؤيا، نتيجة سيطرة الشللية والعلاقات العامة على جو المحافل الأدبية والمعارض الدولية، والذي حال دون استمرارية التواصل بين المثقفات العربيات. ولا تنسى بأن المجتمعات الخليجية تختلف تركيبتها بعض الشيء عن المجتمعات العربية الأخرى، بسبب الطبيعة المحافظة التي تحكم المناخ الاجتماعي. كما أن الظروف التي تحيا فيها المثقفة الخليجية وتحديداً السعودية تعيق حركتها نتيجة للاعتبارات الأسرية التي لا تستطيع الخروج عنها، إضافة إلى الإعلام بأقسامه المختلفة الذي ما زال مقصّراً في إلقاء الضوء على إنجازات المرأة الخليجية المثقفة.
 

– يحتكر الرجل التنظير والتوجيه للمرأة في كل شؤونه وشؤونها. ما مدى مصداقية هذه المقولة في رأيك ؟

 
– هناك مقولة للأديبة مي زيادة “أيها الرجل حررني لكي تتحرر”. الرجل في معظم أرجاء العالم العربي مقهور اقتصادياً وسياسياً وإن كان يتمتع بحقوقه الاجتماعية نتيجة عادات وتقاليد موروثة، أباحت له العبث بحقوق المرأة. هذه الضغوط النفسية جعلته يفجر دواخله في وجهها، من خلال الورقة الوحيدة التي يملكها، وأقصد ورقته الاجتماعية، مما يفقد المرأة توازنها الفكري، ويضطرها هي الأخرى إلى دلق أفكارها المشوشة على أبنائها، فتنشأ على المدى البعيد أجيال معاقة فكرياً.
 
القضية يا أخي الكريم تتمثل في إعادة ترتيب الأوراق من جديد، باحترام كل طرف خصوصية الطرف الآخر، وعدم تجاوز الخطوط الحمراء التي تنال من آدميتهما على حد سواء، وتعوّد الطرفين على مبدأ الحوار والمشاركة.
 

– من خلال تجربتكِ الكتابية، ما هي أهم المعوقات التي صادفتك في مشواركِ الثقافي والمتعلق بالنشر والكتابة؟

 
– أي كاتب يحلم في بداية مشواره الكتابي أن يجد لقلمه مساحة ولو ضئيلة على صفحات جريدة أو مجلة، وقد عانيت كما عانى غيري من أجل تحقيق هذا الحلم. بدأت الكتابة في سن مبكرة بأسطر طفولية، وعند سن المراهقة نشرت العديد من النصوص الوجدانية على الصفحات المخصصة للهواة في المجلات المتنوعة المضمون. دخلت فعلياً عالم الكتابة من بوابة الصحافة، وقمت بعمل العديد من التحقيقات الصحافية، والتي للأسف نُسبت نتائجها إلى غيري من الصحافيين الرجال، مع هذا لم أيأس، بل دفعني كل هذا إلى المزيد من التحدي، ثم قررت تطليق الصحافة رغم عشقي الكبير لها، لكنني لم أتخلَّ عنها نهائياً، وأكملت طريقي من بوابة الكتابة الصحافية الأسبوعية، كون عالم الصحافة بالنسبة للصحافية السعودية ما زال مقيداً، لقناعاتي المطلقة بأن الصحافة الحقيقية تلك التي تولد في الميادين العامة، والصحافية السعودية بحكم انتمائها لمجتمع شديد الخصوصية ما زالت معظم نتاجها محصور في تغطية النشاطات النسائية، والتحقيقات الأخرى معتمدة مصادرها على الفاكس، مما يفقد التحقيقات الصحافية نبض التفاعل مع الحدث القائم. تعرضت لصدامات كثيرة مع بعض الفئات داخل مجتمعي، بسبب مضامين بعض قصصي ومقالاتي، كونها من وجهة نظرها تجاوزت بجرأتها الخطوط المسموحة. لكن على النطاق الأسري أعتبر نفسي محظوظة لأنني أنتمي لأسرة جميع أفرادها يتمتعون بفكر مستنير، ساندوني وشجعوني على المضي قدماً في مشواري الكتابي، ومنحوني الحرية المسئولة.
 

– ما هي النصائح التي تقدمها زينب حفني للمرأة التي ترغب أن تكون كاتبة أو مؤلفة؟

 
-كل أشياءنا الحميمية في حياتنا ندفع مقابل إستمراريتها أثماناً باهظة، والإنسان وحده هو الذي يصنع نجاحاته، وهو أيضاً الذي يحصد ثمراتها. الكتابة ليست قراراً عشوائياً يتم تطبيقه بين يوم وليلة، إنها رحلة مشقة ومعاناة تبدأ مع سنوات العمر الأولى، وعلى المرأة التي تحس بجنين الموهبة يتحرك في أحشائها أن تغذيه بالقراءة، والجلوس ساعات مع الكتاب للتزود من روافد المعرفة المتباينة، التي تعتبر الزاد الحقيقي لأي كاتب رجلاً كان أم امرأة. وأن تنمي في دواخلها نزعات العزيمة والإرادة، في عالم غرائبي يرفض تعرية الحقائق، وفي نفس الوقت ينظر بحذر للمرأة الكاتبة كونها تلعب مع مجتمعها لعبة “تحاورية العقل” واسمح لي بهذا التعبير. وأن لا تلتفت للمهاترات التي تجري من خلفها، وأن تضع نصب عينيها أهدافها التي رسمتها لنفسها، ستصل في النهاية لمرادها.

 

عن – إيلاف –