حوارات صحفية 2008

حوارات صحفية 2008

﴿ مجلة فواصل ﴾
الأديبة السعودية زينب حفني : أنا كاتبة مُدللة ودور نشر كثيرة تخطب ودي

يونيو 2008
العدد 222
أجرى الحوار الصحفي
( جاسم سلمان)

 

في البداية الروائية والكاتبة زينب حفني لماذا هجرت بلاط صاحبة الجلالة واكتفيت بكتابة المقال وهل تعتبري كتابة العمود عملاً صحفياً حقيقياً؟!.

 
من قال بأن كتابة عامود في صحيفة يُعتبر عملا صحفيّا حقيقيّا!! لقد مارستُ العمل الصحافي الميداني في بداياتي، وقمتُ بإجراء تحقيقات موسعة. كنتُ من أوائل من طالبوا بإقامة مكتبة عامة في جدة، ووضعت عدة مقترحات لتطبيقها. وكنتُ من أوائل من طالبوا بإلغاء الصفحات النسائية، وضمّها لصفحات الجريدة لرفضي هذا النوع من التمييز. وكنتُ من أوائل من القوا الضوء على الزواج العرفي وتبعاته السلبية، خاصة فيما يتعلق بالأطفال الذين يولدون من آباء سعوديين وأمهات غير سعوديات. لكن العمل الصحفي الميداني مرهق للمرأة السعودية، خاصة وأنها تعمل في مناخ خانق ، يُقيّد حركاتها، فتصوّر الحال قبل عقدين من الآن!!.
 
 

كثير من الأديبات يتّصفن بالنرجسية فهل ترين في نفسك شيء منها؟!

 
لماذا اقتصرت في سؤالك على الأديبات؟! الأدباء الرجال أيضا يتّصفون بالنرجسية!! أعترف صراحة بأن هناك حيز في أعماقي تفوح منه رائحة النرجسية، وهي صفة تكمن في أعماق كل مبدع امرأة كانت أم رجل، لكن حدتها تتفاوت من مبدع لآخر، وأحمد الله أنني قادرة على كبح جموحها حين تطفو أحيانا على السطح.
 

للغربة معاني كثيرة فما الذي تعنيه الغربة بالنسبة للأديبة زينب حفني، وما الثمن الذي يمكن أن تدفعه كاتبة في مثل جرأتك ؟!.

 
هناك غربة وطن، وهناك غربة مجتمع، وهناك غربة ذات. تذوقتها جميعا، لكن أصعب أنواع الغربة هي غربة الذات، أن تجد نفسك تنـزوي وحيدا بالرغم من الضجيج الصاخب الذي يخترق طبلتي أذنيك طوال الوقت. أن تلفَ نفسك بحاجة ماسة لكل حواسك حتّى تستطيع الصمود أمام الأذرع الغليظة التي تُريد النيل منك وكتم أنفاسك!! نعم دفعتُ في بداياتي أثمانا باهظة، نتيجة جرأتي في مجتمع لا يرحم، ويُعاقب كل من أعلن رغبته الرقص فوق تربته الساخنة!! مجتمع ما زالت شريحة منه تصر على التعامل مع المرأة بمنطق العصور الوسطى، ووضع قيد حول عنقها بحجة حمايتها من ذئاب الطريق، ومن نزعات نفسها الشيطانية، كأنها مخلوق هلامي هش لا يملك القوة والإرادة لتلبية مطالبه الحياتية، ويُساق إلى مصيره بمباركة ذكوريّة.
 

ذكرت في حوارك مع المذيع تركي الدخيل بأنه لا توجد درا نشر سعودية تجرؤ على نشر رواياتك .. هل لأنها تتعدى المعقول أم لقصور في شجاعتها أم لأسباب أخرى؟!.

 
ما زلتُ مصرة على رأيي!! لكن المشكلة لا تنحصر في دور النشر، فهي لا حول لها ولا قوة!! وإنما يعود إلى القيود الصارمة المفروضة على حركة النشر!! فإلى اليوم ما زال الإبداع مُحاط بسياج من الريبة والشك!! وزاد الطين بلة، الجرأة التي اتسمت بها الأعمال الأدبية في العقود الأخيرة!! كيف يمكن لدار سعودية أن تتبنَّ هذه النوعية من الأعمال، والأمر يستوجب إجازة كل صفحة من قبل وزارة الأعلام، بدءا من الغلاف الخارجي وانتهاء بكلمة النهاية هذا من جانب!! ومن جانب آخر كيف يمكن أن يُجازف مبدع بعمله، ويتقبّل إخضاعه لمقص الرقيب، الذي لا يفقه في أغلب الأحيان قيمة العمل الفني المقدّم له، مما يؤدي إلى خروج العمل مشوّها!!.
 

في روايتك الأخيرة ( ملامح) كأنك كتبت عن نفسك حيث جسدت الحياة في جدة ولكن مع وضع لمسات من الخيال وخففت من تصوير الرجال بأعمالك أنهم ظالمون حيث ظهر البطل والبطلة كلاهما ظالم ومظلوم وكان هناك نوع من المساواة .. فما هو السبب ؟!.

 
أولا لا تنسَ أنني ابنة جدة!! كما أن ما ذكرته لا ينطبق فقط على روايتي ملامح، بل تجده ظاهرا كذلك في روايتي “لم أعد أبكي” حيثُ عبّرت من خلال شخصية بطلها “طلال السعدي” عن المثقف المغبون داخل وطنه. أنا حريصة في كافة أعمالي أن لا أسلب الرجل حقه في التعبير عن موقفه، كما أنني من المؤمنات بأن العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة شائكة، لكنها تقوم على التكامل وليس على المساواة. لا حياة بدون رجل، ولا نعيم بدون امرأة. بهما قامت البشرية وبهما تستمر الحياة على الأرض. أنا أكتب للرجل وللمرأة معا، لكنني لا أكتب بلغة واعظ، ولا أشهر سيف التقريع في وجه الرجل لترهيبه ودفعه للزهد في المرأة!! أريد من الرجل أن يتفهّم مشاعر المرأة ويحترم كينونتها كإنسانة. وأريد من المرأة أن تتفهّم مطالب الرجل بوعي وإدراك وليس بتبعية!! .
 

تعتبرين رائدة الأدب الفضائحي في السعودية وأول كاتبة بدأت الكتابة عن المستور والإشارة إلى التابلوهات المجتمعية ولكن أتت بعدك أسماء أخرى كرجاء الصانع وصبا الحرز ليكتبن بجرأة أكبر فهل تؤيدين هذه الجرأة باعتبارك العرابة لهن؟! .

 
شيء طبيعي أن يتأثر كل جيل بالجيل الذي سبقه. جيلي فتح عينيه على أعمال الأديبة السعودية سميرة خاشقجي، وغادة السمان، ورضوى عاشور، وغيرهن من الأديبات اللواتي كنَّ حسب مفهوم ذلك العصر قمة في الجراءة!! لكن مع مرور الوقت لا بد لكل أديبة أن تضع هويتها على نتاجها الأدبي، وتتحرر من تأثير من سبقنها بعد انغماسها في العمل الإبداعي. وأوافقك الرأي أن جيل الأديبات الشابات يتمتعن بجرأة أكبر، وذلك يعود إلى أنهن نشأن في زمن العولمة التي حوّلت العالم إلى قرية كونية صغيرة، وإلى ثورة الاتصالات المتمثلة في الإنترنت والقنوات الفضائية والهواتف النقالة.
 

لماذا يأتي حضور المرأة السعودية أكثر انتشاراً من غيره رغم ركاكة أكثرية الأعمال الروائية التي طُرحت ؟!.

 
حضور المرأة السعودية في الآونة الأخيرة على الساحة الأدبية لا يعني أنه أصبح لدينا كم لا يُستهان به من المبدعات الحقيقيات!! لقد ساهمت عوامل كثيرة في رواج الأدب النسائي الذي ظهر في الأعوام الأخيرة، والذي يتسم معظمه بالهشاشة!! وهذا يعود أولا إلى أن المجتمع السعودي ظلَّ مغلقا على نفسه عقودا طويلة بحجة أنه مجتمع شديد الخصوصية، وحريص على أسراره الاجتماعية، وهو ما دفع جيل الأديبات الجدد إلى كسر معاقل التعتيم، والخروج على الملأ بروايات لا ترتقي في مضمونها إلى حكايات تُسرد قبل النوم للتسلية ودفع الملل، حكايات يغلب عليها طابع الانتقام الشخصي من الذكوريّة المتفشيّة في مجتمعنا السعودي، دون دراية بأدنى قواعد الجنس الأدبي الروائي!! إضافة إلى أن بعض دور النشر العربية استغلت نهم الناس في كافة أرجاء العالم العربي لمعرفة ما يدور في الأزقة الخلفية داخل السعودية، وباتت تلهث خلف كل من يكتب حكاية فضائحية رغبة في تحصيل مردود مادي عال!! كما لا تنسى أن غياب النقد الأدبي الصحيح، وشيوع النقد الصحفي الذي تتحكم فيه المجاملات، وتُسيطر عليه الشللية، ساهم في الترويج لأعمال لا ترتقي للفن الروائي، وتضع صاحباته في مكانة عالية لسن جديرات بها، خاصة وأن الوعي القرائي ضعيف داخل السعودية، مقارنة بالمجتمعات الخليجية والعربية الأخرى، نتيجة بطء عملية التحديث الاجتماعي بكافة صوره!!.
 

ما الأسباب التي تدفع الأديبة السعودية إلى طرق مواضيع تحرير المرأة والجنس في أعمالها؟!.

 
استخدام الجنس في الأعمال الروائية ليس جديدا!! فقد كان مألوفا في تراثنا العربي والإسلامي، ونجده في العقد الفريد وطوق الحمامة وغيرهما من كتب التراث. كما أنه منتشر بكثرة في روايات أدباء أمريكا اللاتينية، نراه واضحا في روايات جابريل غارسيا ماركيز، وميلان كونديرا، وإيزابيل الليندي وغيرهم. ومتواجد كذلك في الروايات اليابانية التي فرضت نفسها مؤخرا على الساحة الثقافية العالمية. جميعهم بلا شك يتمتعون بأساليب جذّابة، ولديهم قدرات فنية عالية، بحيث يُلاحظ القارئ الواعي أن مشاهد الجنس موظفة توظيفا قويا لمصلحة السرد الروائي.
ما يجري في السعودية مختلف!! والتطرّق إلى موضوع الجنس لا يقتصر على الأديبات، بل يشمل الأدباء الشباب أيضا. للأسف جيل الروائيين الجدد من الجنسين باستثناء قلة منهم، يحشرون الجنس في أعمالهم بأسلوب فج لا يخدم سياق الرواية، سعيّا لاختصار الدرجات وتحقيق الانتشار الواسع، غير مدركين أن شعاع الضوء الذي يأتي دون قراءات مستفيضة، وتشكيل لغة جزلة، وخلق رؤيا حياتية عميقة، ستؤدي إلى انحدارهم بسرعة البرق!! .
 

هل صحيح أن الإعلام السعودي يتجاهل الكاتبة زينب حفني وبماذا تفسرين هذا التجاهل، أو حتى عدم المناصرة والإنصاف ككاتبة تحمل تجربة 21 عاماً من الكتابة؟!.

 
بعد مجموعتي القصصية (نساء عند خط الإستواء) التي صدرت عام 1996 وأثارت الكثير من اللغط، وتمَّ بسببها توقيفي عن الكتابة ومنعي من السفر، تمَّ تجاهل اسمي لسنوات!! لكن مع انتشار أعمالي في كافة الدول العربية، وشعبيتي الواسعة هناك، ساهمت دون قصد في فرض اسمي بقوة في الداخل!! هذا لا يعني أنني كنتُ مستاءة من هذا التجاهل، بل سعيدة كوني حققتُ نجاحا في الساحة الثقافية العربية فأنا امرأة عاشقة لعروبتي.
 

هل في أعمال الكاتبة زينب حفني شيء من حياتها وهل لبطلاتها شيء من شخصيتها ، وهل للمشاهد والحبكة الروائية شيء من تجربتك الحياتية خصوصاً وأن أغلب أعمالك تدور حول الحب والظلم في المجتمع للمرأة وهل هذه الأشياء لها صلة بواقعك الشخصي ؟!.

 
كل بطلة من بطلاتي فيها شيء مني.. قد يكون التمرد.. قد يكون الانكسار.. قد تكون الخيبات الحياتيّة.. لكن في النهاية الأديب لا يكتب نفسه، وإنما يكتب الآخرين من خلال رؤيته الحياتيّة. هذا اللبس المُشاع لدى القرّاء جعل الكثيرون يظنون بأن كل رواية تُكتب هي انعكاس لسيرة صاحبها!!.
 

بصراحة ما هو سبب عزلك من الكتابة في جريدة الشرق الأوسط ، وهل له دخل في نوعية كتابتك وتحررك الأدبي بالكتابة؟!.

 
سؤالك يؤكد بأنك لم تكن متابعا لمقالي الأسبوعي الذي كنتُ انشره في صفحات الرأي بجريدة الشرق الأوسط!! أنت تعلم بأن الكتابة الصحافية تختلف تماما عن الكتابة الإبداعية، ومقالي في صحيفة الشرق الأوسط كان يتسم بالبعد الاجتماعي والإنساني والسياسي، وبإمكانك الرجوع إلى كتابي “مرايا الشرق الأوسط” الذي يضم أغلبية مقالاتي التي نُشرت حينها.
 

كنت تفكرين بكتابة سيرتك الذاتية وأعلنت ذلك بأحد مقالاتك فهل الفكرة ما زالت موجودة؟ وهل من الممكن أن تكتبي كل شيء بذاكرتك عن الرجل بحياتك مثلاً والحب أم هناك حقائق تخشين نشرها وهذا ما يجعلك مترددة من نشر سيرتك ؟!.

 
كل مبدع تقبع في أعماقه نقاط مأساوية!! قد يجد الشجاعة لانتشالها وتسطيرها على الورق!! وقد يتغلب عليه الجبن وتبقى راقدة في أعماقه إلى أن يموت!! نعم بداخلي أحزان كثيرة، نجحت في رتق بعضها، وفشلت في بعضها الآخر. لا أدري كيف سأتعامل معها مستقبلا!! هل سأهجرها إلى الأبد أم سأحاول تزويقها وتقديمها للقرّاء ذات يوم!! لكنني لم اسقط يوما الرجل من ذاكرتي، هو موجود في كافة أعمالي الأدبية، وقدمته في صور شتّى، فهناك النبيل وهناك الحبيب وهناك الصديق وهناك الانتهازي وهناك النذل!! .
 

وهل كانت ” الفحولة ” سبباً في تجنّي البعض من الرجال على حقوق المرأة التي منحها الإسلام ؟!.

 
هناك خيط رفيع بين الفحولة والذكورة!! فالفحولة ليست عيبا، كما أن الأنوثة ليست نقمة!! وأغلبية مجتمعاتنا العربية هي مجتمعات ذكوريّة، تلفّحت بوشاح الدين لكي تُبيح لنفسها كل شيء، وتُحرّم على المرأة ما أحله الله لها!! انظر إلى الآية الكريمة التي تقول “الرجال قوّامون على النساء..الخ”. على الرغم من أن الآية واضحة وصريحة بأن الرجال قوّامون على النساء بما أنفقوا، إلا أن العقول المتحجرة ترفض الأخذ بكامل النص. علما بان المرأة اليوم تعمل بجانب الرجل وتنفق على البيت مثله تماما، بل إن هناك نساء يحصل أزواجهن على رواتبهن عنوة بحجة أنهم رجال البيت.
حكاية التمسّك بالحقوق التي منحها الإسلام للمرأة هي كلمة مطاطية ضبابيّة!! فالإسلام هو دين اجتهاد، وامرأة اليوم غير امرأة الأمس، وظروف الحياة تختلف من زمن لزمن ومن عصر لعصر، مما يستلزم سن تشريعات فقهية جديدة تُناسب روح الحاضر، تُحافظ على كينونة المرأة وحقها في حياة كريمة.
 

في نقاشي السابق معك ذكرت أنك مستاءة من واقع دور النشر العربية واستغلالها للكاتب فهل عانيت من هذا الأمر وكيف ترين تعامل دور النشر مع المبدعين العرب؟!.

 
أنا كاتبة مُدللة، دور نشر كثيرة تخطب ودي!! بمعنى أنا أديبة “بيّاعة”. لكن تكمن معاناتي في تجربتي المريرة مع عدد من دور النشر العربية من الناحية المادية!! على سبيل المثال لم أنل أيٍ من مستحقاتي عن مجموعتي القصصية “هناك أشياء تغيب” التي صدرت عن “دار الريّس”!! وأتذكّر أن مالكها رياض الريّس أرسل لي منذ سنوات شيكا بمبلغ لا يتجاوز مائتي دولار، مبررا بأن كتابي لم يُحقق مبيعات عالية!! اكتفيتُ بأن أعدتُ له الشيك مع رسالة أقول له فيها اعتبر المبلغ تبرعا مني لدار النشر!! رغم هذا ما زال يبيع كتابي إلى اليوم ولذا أفكّر جديّا في مقاضاته. ولي سابقة أولى مع “دار الشروق” حيث قمتُ منذ سنتين بتوكيل محام لوقف بيع كتابي “نساء عند خط الاستواء” الذي قامت بنشره وتوزيعه على مدى عشرة سنوات، وبعد جدل طويل لم أتحصّل سوى على مبلغ ضئيل جدا، بحجة أنه لم يُحقق مبيعات عالية!! علما بأن هذا الكتاب تمَّ تزويره هو وروايتي “ملامح” لإقبال القراء عليهما!!.
أعتقد بأن هذه المعاناة يتعرّض لها أغلبية المبدعين العرب!!.
 

•••

 

﴿ مجلة الشروق الشهرية ﴾

الأديبة السعودية زينب حفني : أعيب على المؤسسات الثقافية في اليمن عدم إيصال الإبداع اليمني إلى بقية الدول العربية

سبتمبر 2008
أجرى الحوار
(عادل عبد المغني)

 

كيف تُعرّف زينب حفني نفسها بعيدا عن أسلوب السيرة الذاتية؟

 
استيقظتُ ذات يوم في مخدعي فوجدتني متورطة في علاقة غير مشروعة مع شيء اسمه عالم الكتابة، مثل العاشق الذي يجد نفسه غارقا بكامل جسده في بحيرة العشق. مع هذا أنا إنسانة بسيطة، تُطربني أغنية حالمة، تُضحكني نكتة ساذجة، أسير منتشية في الطرقات حين تُداعبني زخّات المطر، حريصة على أن لا أهدر طفولتي الرابضة بأعماقي في دوّامة الحياة، حتّى لا أفقد لذة الاندهاش التي تُحفزني على سكبها على الورق في هيئة صور متباينة الألوان والأشكال.
 

حكايتك مع الحرف تنوعت فيها أجناس الكتابة من العمل الصحفي إلى المقالة إلى الشعر إالى القصة القصيرة فإلى الرواية ، ما سر هذا التنوع?

 
ألم يُفاجئك الرحمن يوما بعطيّة لم تكن تحلم بها!! لقد كان الله سخيّا معي. وهبني ملكة الكتابة في نواحي عديدة. المقالة هي نوع من التواصل الأسبوعي مع قرّائي، أطرح من خلاله قضايا العالم الساخنة. وعندما أسنُّ قلمي لا أفكر سوى في التحرّش بقوة في الهم العربي وما أغزره في تربة أوطاننا!!
أما الشعر، فما زال حالة خاصة، لا ألجأ إليه إلا حين تمر غمامة حزن في فؤادي، تتعرّض بسببها أرضية مشاعري لهزّات قوية ، لحظتها أفتح باب مغارتي وأفجّر فيها انفعالاتي على شكل حروف ناريّة الطابع.
 
أما القصة القصيرة فقد توقفتُ عن كتابتها منذ عدة سنوات مع خروج مجموعتي القصصية “هناك أشياء تغيب” إلى النور. قد أعود إلى عالمها يوما ما فقد علمتني الأيام بأنها كثيرا ما تأخذ هذه المهمة عنّا بالتنقيب في أعماقنا عمّا نجهله نحن عن أنفسنا!!
 
أما الرواية، فهي عشقي الكبير. بها أجد ذاتي، وأتحرر من كل قيودي، وأغسل أخطائي في آبار سطورها. أنا مدينة لعالم الرواية بالكثير، فلولا الرواية لتقوقعتُ على نفسي، ولأصابتني عقد نفسية كثيرة، وهجرتُ واقعي الذي يُبادلني مشاعر الغربة!! لكن أعترف أيضا بأن عالم الرواية خلق لي حصيلة أعداء من الجنسين، فليس سهلا أن تكون نجما ساطعا وسط دنيا من أنصاف الموهوبين، يحسدونك على نجاحك ويتهمونك بأنك نلت ما نلته بضربة حظ وأساليب ملتوية، وليس بعد كد وتعب ودروب تتخللها الدموع والإصرار على بلوغ الهدف!!
 

للرواية طابعها الخاص في الكتابة غير السهلة. فكيف استطاعت زينب حفني أن تكون روائية بهذا الحجم الكبير؟

 
أشكرك على هذا الوصف الكبير. لكنني ما زلتُ أتطلّع للمزيد. أن تكون المرأة روائيّة في مجتمعاتنا العربية، فهذه جسارة كبرى منها!! فالمرأة محسوبة عليها خطواتها وسكناتها، فكيف إذا قررت أن تكون مخلوقا استثنائيّا وتحيد عن قافلة النساء!! أن تُصبح المرأة روائيّة ناجحة، فهذا يعني أنها يجب أن تُعلن الحرب علانية على تعاليم وعادات القبيلة، وان تخرج أمام الملأ حاسرة الرأس، وتمشي حافية القدمين في البراري، لا تجفل من مخاطر الطريق، ولا تهاب الوحوش الكاسرة!!
 

مجموعتك القصصية” نساء عند خط الاستواء ” تباينت ردة الفعل إزاءها بين غضب الداخل المحلي ورضي وإعجاب الخارج الأجنبي؟ لماذا ؟

 
لم أعد أكترث بهذا الماضي!! لقد ولّى إلى غير رجعة مع كل ما لحق بي من آلام بسببه!! ليس سهلا أن تقف وحدك أمام مجتمع أعتاد أن يلتحف بالعباءة السوداء، ويُداري وجهه بالخمار، بأن تصرخ فجأة في وجهه وتواجهه بحقيقته، وتقول له كم أنتَ منافق، مُخادع، كونك تُداري تحت هذه الأستار أجساد مشوهة بحاجة إلى جراحات تجميليّة عاجلة تُعيد لها حيويتها ونضارتها. كان يجب عليَّ وقتها أن أتوقّع الكثير خاصة وأن هذه المجموعة مضى على صدورها أكثر من إحدى عشر عاما، ولم يكن المجتمع السعودي حينها مؤهلا لاستقبال هذه الجرعة العنيفة المضمون.
 

” لم اعد ابكي ” رواية يرى فيها البعض تجسيد لذاتك مع تجربتك الصحفية , وإهمال للواقع المجتمعي الذي عادة ما تهتم الرواية به ما أسباب ذلك ؟

 
لقد قلتُ في العديد من الحوارات التي أجريت معي، أن تركيبة “غادة” ، الشخصية الرئيسية في رواية “لم أعد أبكي” ، قريبة من شخصيتي في الواقع. وهذا يعود إلى أنني سخّرت تجربتي القصيرة في عالم الصحافة بخلق جو العمل الذي كانت تعمل فيه “غادة”. لكنني مندهشة من هذا الاتهام الذي طال روايتي!! فهذه الرواية صوّرت أيضا وبدقة المناخ الاجتماعي في تلك الحقبة من خلال الأحداث التي عاصرتها “غادة”.
 

أيهما يستأثر بكتابتك أكثر الهم النسائي أم الإنساني ؟

 
لم افصل يوما في كتاباتي بين الهم النسائي والهم الإنساني. فالمرأة هي نصف المجتمع وصلاح أوضاع المرأة هو الطريق الصحيح لصلاح المجتمع بأسره. لا تعتقد بأن أي مجتمع من الممكن أن يُصبح نقي السريرة، خاليا من العقد، بدون أن يرفع قبعته احتراما للمرأة ويُؤمن بحقوقها ويحترم مطالبها. مجتمع بدون نساء مستقلات واعيات، مجتمع ناقص الأهلية!!
 

لمن تكتب زينب حفني عندما تبدأ أناملها بالجريان على الورق أو على لوحة مفاتيح الكمبيوتر ؟

 
أكتب للمرأة والرجل والأجيال الشابة دون تحيّز!! أناملي لا تُعير اهتماما لجغرافيّة الحدود، وهذا من أسباب نجاحي في دنيا الكتابة. منذ بداياتي ألغيت كافة الحواجز والمتاريس من كتاباتي. حررت أبجديات حروفي من قيود الرق والعبودية، ورميتُ بأقفالها في قيعان البحار. الحرية الداخلية التي أتمتّع بها في دواخلي هي التي تجعلني أكتب للجميع دون أن أنساق خلف شعارات تفرقة أو تمييز عنصري أو مذهبي!!
 

الجرأة في اقتحام التابو (المحرم اجتماعيا والمسكوت عنه) في مجتمع متصلب . هل هي إفرازات ناجمة عن زينب المرأة النفطية المعاصرة المحتاجة إلى التنفيس الروحي والنفسي ؟ أم جزء من النضال للتحرر ؟ أم الأمر متعلق بطبيعة السرد نفسه ؟ أم ماذا؟

 
لم انفر في حياتي من شيء قدر الارتباط بلقب امرأة نفطية!! في بداياتي وقبل أن تعرفني الساحة الثقافية العربية كان الجميع ينظر إلي على أنني قادمة من عالم متخم بالثراء، لا يفهم في حل رموز الكلمات، ولا يدري عمّا يدور في الطوابق السفلية!! لكنني كنتُ واثقة بأن الزمن سيبدد هذه النظرة المجحفة في حق الأديبة الخليجية. أنا أؤمن بأن مسئولية الأديب الحقيقية هي في اقتحام المناطق المحرمة وانتزاع الأشواك من الطرقات الخلفية، كونها الطريق الأمثل لتوعية المجتمعات العربية. المعاناة الإنسانية لها جوانب عديدة، صحيح أن الفقر لعنة، والحاجة مذلة، لكن نعمة الحرية من وجهة نظري هي الأخرى مطلبا ساميا. لا يمكن أن يحس المرء بطعم الخبز وحلاوة المعيشة وهو يرى آدميته تُسحق بلا رحمة باسم العادات والتقاليد وباسم تعاليم الدين!!
 

كيف تقيمين عملية النقد لإنتاجك الأدبي حتى الآن؟

 
لستُ راضية!! إذا كنتَ تتحدث عن نقّاد الداخل للأسف أغلبهم يعيشون في أبراج عاجيّة ويترفعون عن متابعة ما يصدر في الداخل، وإن فعلوا يقومون بالتطبيل لبعض هذه الأعمال، حيثُ تُسيطر عليهم ميولهم الشخصية، دون تفنيد المضمون بأسلوب نقدي مُحايد!! إضافة إلى أن ما ينشر في الصحف ما هو إلا نقد صحفي سطحي يقوم على المجاملات وعلى فكرة امتصاص غضب المجتمع،. لكنني أشيد بما كتبه النقاد العرب تجاه أعمالي سواء كان سلبا أم إيجابا حيث أنه كُتب بموضوعية شديدة، وهو ما يجعلني حريصة على قراءة ما يكتبون عنها.
 

يف تقيمين السرد اليمني ؟ وما مستقبل الرواية في اليمن؟

 
الرواية اليمنية متقدمة كثيرا وأعتقد بأنه سيكون لها شأن كبير في المستقبل القريب. قرأتُ أعمال أدبية يمنية كثيرة، لكنني أعيب على المؤسسات الثقافية في اليمن عدم إيصال الإبداع اليمني إلى بقية الدول العربية. حقيقة أجد صعوبة كبيرة في الحصول على ما يكتبه الروائيون اليمنيون، وأتمنى بالفعل أن تجد هذه الأعمال مكانا لها على رفوف المكتبات العربية ففيها فكر راق وتوثيق أدبي للحياة الاجتماعية في الداخل وهو ما يستحق أن يطلّع عليه الجميع.
 

ماذا أضافت لك زيارتك الأخيرة لليمن ومشاركتك في مهرجان صنعاء الرابع للرواية؟

 
أهمية المهرجانات الثقافية تكمن في أنها تبني جسر من التواصل المعرفي بين المثقفين من مختلف الدول. ويكفي بأنني في زيارتي الأخيرة التقيتُ بروائيين وقاصيين وشعراء يمنيين قدّموا إبداعا مميّزا وقد أهداني البعض منهم أعماله. استوقفني الفن التشكيلي بمختلف مدارسه، وقد زرت عدد من هذه البيوت، ودخلت بيت الفن الكائن عند باب صنعاء القديمة، واعتليت درجاته، وتأملتُ من سطحه بيوت صنعاء القديمة وجمالها العتيق. لستُ أدري!! ربما يوما اكتب رواية عن صنعاء، فأحيانا كثيرة الطرقات الضيقة التي يفوح من جدرانها عبق التاريخ، وتحكي مبانيها تاريخ الأمس، ومعاناة الناس المرسومة على وجوههم، تُحفّز على كتابة نص خارج عن المألوف.
 

لو طلبنا منك أن تسالي نفسك سؤالا، تشعرين بأهميته فبماذا تسالين وبماذا تجبين؟

 
كنتُ أريدك أن تسألني.. ما أمنيتك المستقبلية؟! لقلتُ لك.. أتمنى أن أكتب رواية يُخلّدها التاريخ، فليس هناك أجمل من أن تترك شجرة سامقة يستظل بها الناس في الحر القائظ،، ويلجئون إليها حين يُسيطر عليهم الضجر.
 

•••