المنتدى الأول للحوار العربي والأوروبي

﴿ المنتدى الأول للحوار العربي والأوروبي ﴾

صورة الآخر في الإعلام العربي والأوروبي
إبريل 2006 معهد العالم العربي / باريس 26-27
 
وقفتُ حائرة أمام موظف الجوازات في مطار هيثرو بلندن، حين سألني سؤالا تعجيزيّاً.. اذكري لي تواريخ قدومك إلى لندن في الآونة الأخيرة. سألته بنبرة ضاحكة إن كان يتذكّر ماذا تناول بالأمس على طعام الغداء!! أجابني بحدة تحمل نبرة تهديد.. إذا لم تُجاوبي على سؤالي، سأضطر إلى إرجاعك على أول طائرة إلى بلدك. دمعت عيناي قهرا، وشممتُ رائحة العنصرية العفنة تفوح من بين كلماته، وحضرت صورة ابنتي في فكري، التي تركتها خلفي في لندن، وماذا سأفعل لو لم يختم على جوازي بالمرور!! أفهمته أنني كثيرة الحضور لمتابعة شئون ابنتي، مما يجعلني بالفعل أقف عاجزة عن تحديد تواريخ قدومي إليها.في النهاية ختم على جوازي منبها إياي بوجوب حفظ تواريخ دخولي لبريطانيا.
تساءلت وأنا استقل التاكسي بحقائبي، إن كان ما حدث لي، كان من الممكن أن يحدث قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي قلبت الكثير من الموازين، وجعلت الجميع يقف متوجسا من هويتنا العربية والمسلمة!!.

 
***
 

اعترف صراحة بأن إعلامنا بقنواته المتباينة، ساهم في ترسيخ ثقافة العنف في مجتمعاتنا العربية، من خلال إفساح المجال لفئات متطرفة في مواقفها، من علماء دين وكتّاب ومفكرين وإعلاميين، في نشر معتقداتهم الخاطئة، بل إن بعضا من مناهجنا التعليمية، تحثُّ هي الأخرى على رفض الآخر، وتُشجّع فتاوى التكفير، حتّى طال التهديد بالقتل عددا من المثقفين العرب والمسلمين المعروفين بمواقفهم المعتدلة. كما ساهم وجود عدد من الدعاة المتطرفين المقيمين في أوروبا، واذكر على سبيل المثال أبو حمزة المصري، الذي كان يعمل خطيبا في إحدى مساجد لندن، واستغلّ موقعه لإثارة نزعة الكراهية العرقية، والتحريض على القتل، بين صفوف الجاليات المسلمة هناك.
 
وهنا أود الإشارة إلى نقطة مهمة، وهي أن العرب والمسلمين الذين هجروا أوطانهم، وأصبحوا مواطنين شرعيين وجزءا من النسيج الاجتماعي للبلدان الغربية التي استوطنوها، يُساء للأسف فهمهم من قبل الغربيين العاديين أنفسهم، حيثُ يجهلون بأن الأغلبية الكاسحة من العرب والمسلمين، هم أناس لم يأتوا حاملين قنابل في جيوبهم، أو أحقاد في قلوبهم، بل جاءوا ليبنوا حياة ناجحة لهم ولأسرهم، حياة قائمة على كفاح شريف لا مكان فيه للتطرف والعنف، وأن العنف الحقيقي ذلك الذي أتى لبلادهم على شكل غزوات وحروب متعاقبة لأراضيهم.
 
رغم هذه الصور القاتمة، هل نتحمل وحدنا تعميم هذه النظرة السلبية، أم أن الغرب يتحمّل هو الآخر جزءا كبيرا من ترسيخ هذا المفهوم الخاطئ تجاه كل ما هو عربي ومسلم؟!.
 

***
 

في مقدمة كتاب “كيف يشوه الإعلام الغربي صورة الإسلام”، يقول الكاتب جو كينشلو، معلقا على ردود الأفعال المصاحبة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر”.. من خلال تفاعل متسم بالاحترام مع أولئك الذين يختلفون عنّا، يمكننا بلوغ حالات جديدة من الوعي.. لا يمكن لأمة ما بلوغ مرحلة من النضج إلا عندما تكتسب هذه النظرة لذاتها..”.
كما يرى هارون خارم تحت الفصل المعنون ب “الإنكار الأوروبي الكبير” بأن الإسلام منذ حوالي ألف عام تقريبا، ساهم في بناء الحضارة الغربية، حيث أحاط الحكام المسلمين أنفسهم بالعلماء والفنانين، وسمحت بأجواء من الحرية لليهود والمسيحيين جنبا إلى جنب مع المسلمين. متابعا بأن هذا الجانب تم إسقاطه في الثقافة الغربية من خلال الترويج لثقافة خاطئة تجاه المسلمين، من رفض الاعتراف بمساهمة الحضارة الإسلامية في بناء الحضارة الغربية، وهو ما أكده أيضا الباحث الأكاديمي إبراهيم أبو خطوة في الفصل المعنون ب “الغول الجديد تحت السرير” حيثّ يرى بأن صورة الإسلام في الإعلام والمنهاج الدراسي الغربيين، تروّج بأن الإسلام حل محل الشيوعية كعدو جديد، وتحث على التحامل على المجتمعات المسلمة، وممارسة التمييز العنصري بحقها، وتُشجّع نظرية صراع الحضارات. ملقيا الضوء على دور محطات التلفزة التي حلّت محل الحاضنات، وكيف رسّخت صورة العرب والمسلمين بشكل خاطئ، وأن لا عجب إذا كبرت الأجيال الجديدة وهم محددين خصائص المسلمين بأنهم قوم همجيون متخلفون.

 
***
 

بعد حادثة الصور الكاريكاتورية المسيئة للرسول، والمظاهرات التي اجتاحت الشوارع احتجاجا، عبّر رئيس لجنة المساواة العرقية السير “تريفور فليبس” في بريطانيا عن موقفه تجاه أزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد في حديث متلفز بالقول ” علينا السماح للناس بإهانة بعضهم بعضا”.
 
لا أنكر اندهاشي من موقفه، لأن هناك فرقاً شديداً بين السماح بالنقد وحتّى الإهانة المتبادلة, وبين العنصرية المكشوفة, كما هي في حال الرسوم الكاريكاتورية. وقد تذكرتُ لحظتها النضال الطويل الذي قطعه الأفارقة السود، في سبيل القضاء على كافة أنواع التمييز العنصري ضدهم، وكان همهم الأكبر الدفاع عن حقهم في حياة كريمة، وما زال الكثيرون منهم إلى اليوم يُعلنون صراحة بأن العنصرية العرقية ما زالت تطل برأسها بين حين وآخر عليهم، وقد سمعتُ الكثير من الحكايات على ألسنة بعضهم.
 
إن أغلبيتنا من عرب ومسلمين نرفض العنف بكافة أشكاله، لكن لماذا يجب علينا أن نتقبّل إهانة نبينا، وأن نسكت على ما يخدش كرامتنا!! أليس ما جرى يُعبّر صراحة عن وجه من وجوه العنصرية المقيتة التي يحرص الغرب دوما على تلجيمها!!.
 
***
 

لا أؤمن بمقولة الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا، من وجهة نظري لم يعد لديها قاعدة راسخة في عصر العولمة الذي أذاب الفوارق الثقافية والاقتصادية بل والاجتماعية أيضا. وهنا يحضرني مقالُ كتبه الصحافي “روبرت فيسك” في صحيفة الإندبندنت البريطانية، في تعليقه حول ما تردده وسائل الإعلام الأوروبية بأن ما جرى مؤشر على صدام الحضارات، نافيا هذا التبرير الغير منطقي من وجهة نظره، مفضلا تسمية ما وقع بصبيانية الحضارات، موضحا بأن عددا كبيرا من الأوروبيين أصبحوا ينظرون لأنبيائهم على أنهم جزء من العهود التاريخية السحيقة، في الوقت الذي ما زال المسلمون متمسكون بعقيدتهم المحمدية، وهنا تبرز نقطة الخلاف.
 
لنكن منصفين ونقول بأن هناك صحافيين وكتّاب وإعلاميين غربيين ساهموا في دحض النظرة الخاطئة تجاه العرب والمسلمين، وأعود ثانية لكتاب “كيف يشوه الإعلام الغربي صورة الإسلام” واستشهد بالإعلامية شيرلي شتاينبرغ” الأمريكية اليهودية، في الفصل المعنون ب “مناهج هوليوود حول العرب والمسلمين” حيث تقول ” في الفترة التي سبقت انقضاض الطائرة الأولى على قلب منهاتن ذاك الثلاثاء من سبتمبر، كان يتم إنجاز المناهج الثقافية الأمريكية والتصديق عليها. لهذا السبب، كان من السهل كره العرب والمسلمين. ومن الطبيعي أن نكون قادرين على كره الإرهابيين، لكن ماكفاي كان إرهابيّا، وكان حقدنا وغضبنا محدودا بشخصه، لا بخلفيته الثقافية كلها، بدينه، بدولته، أو بمجتمعه”. وفي موضع آخر تقول ” كوني يهودية، جعلني مشوشة حيال من يحق له الاحتفاظ بالقدس، وجبل الهيكل، وبإسرائيل. ولكنّي أعلم أن بحثي هذا مكنني من إعادة النظر في كيفية قيام الإعلام بصفة خاصة بالتأثير على شعوري ووعيي.. أصرُّ على رأيي بأن الثقافة الشعبية هي في الواقع منهاج صريح ومؤثر يُغذي حاجتنا لاستهلاك التسلية. وهذه الحمية اليهودية غير بريئة، هي قائمة على الهواجس، والأفكار المشوشة، والخوف، والأهم من ذلك على ما يمكن بيعه!!”.
 
بلا شك لدينا في الإطار العربي والإسلامي، خلل فكري، وتشويه عقائدي، وأخطاء جسيمة في مناهجنا التعليمية، وداخل مؤسساتنا التربوية، مما يستوجب تصحيح الكثير من مفاهيمنا الموروثة العالقة في حبال التخلّف. هذه المسئولية تقع على عاتق العلماء والمفكرين والمتخصصين، لوضع نهج جديد يخدم الأجيال القادمة، يخرجون به أمة الإسلام من هذه الدائرة الضيقة التي باتت تدور بداخلها، نهج يُنادي باحترام عقائد الآخرين وتقبّل فكرة التعايش مع الآخر، بصرف النظر عن عقيدته، أو توجهه، ونشر روح التسامح التي قامت عليها الحضارة الإسلامية، حين كان أجدادنا ينظرون بتقدير واحترام لكافة الأديان والمذاهب من منطلق (لكم دينكم ولي دين).

 
***
 

أتذكّر حادثة طريفة وقعت لي في لندن، كنتُ قد التقيتُ صدفة بامرأة من منغوليا، قالت لي بفخر: بالتأكيد تعرفين من هو القائد جنكيز خان!! لقد أتى هذا الرجل إلى بلادكم لهدف نبيل، وهو وضع حد للقلاقل والاضطرابات التي كانت تعصف بأرض العرب. حاولتُ إفهامها أن سمعة هذا الرجل سيئة في تاريخنا، وأنه دمّر الكثير من إرثنا الفكري الإسلامي، لكنها رفضت التسليم بهذا الرأي، وانتهى الأمر بأن أدارت كل منا ظهرها للأخرى في امتعاض.

خرجت من هذه التجربة القصيرة بأن التاريخ في كل بلاد الدنيا يكتبه مؤرخون متعصبون لبلادهم، وهو ما يدعوني اليوم للمطالبة بإعادة الاعتبار لحضارتنا الإسلامية في المناهج الغربية، فالغرب أيضا مُطالب بتغيير مناهجه التي تُصوّر العربي على انه متخلّف، رجعي. وأن تُساهم النخبة الغربية المعتدلة من خلال الإعلام الغربي بقنواته المتباينة، في إعادة تصحيح المفاهيم الخاطئة تجاه العرب والمسلمين، حتّى تتحقق المعادلة المطلوبة في إقامة علاقة ودية تقوم على الشراكة الإنسانية، لا على الفوقية والدونية، شركة تؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة خلق عالم بات يفتقد إلى لحظات سلام وأمن حقيقيين.

 
***
 

﴿ ملتقى المرأة والكتابة ﴾

أحلامي..سر حياتي
20-21-22 ابريل 2006 المغرب/ آسفي

 

كل إنسان منا رجلا كان أم امرأة يحمل بذور دماره، وبذور بقاءه في أحشائه، وفي كلتا الحالتين المرء وحده القادر على تطويع أدوات تمرده لتنعكس إيجابيّا على حياته، حيثُ أنها تُمثل جزءا لا يتجزأ من طبائع البشر، يولدونا بها، وتظل ترافق أصحابها إلى أن تتوقف نبضات قلوبهم، ويحملونها معهم إلى مثواهم الأخير.

 
***
 

أتذكّر عبارة لباولو كويليو، الروائي البرازيلي الشهير “بأن العالم على نوعين.. العالم الذي نحلم به، والعالم الحقيقي”. وهنا أجد نفسي أخالفه رأيه، لإيماني العميق بأن أحلامنا التي تنام وتستيقظ معنا داخل وجداننا، لا تنفصل عن محيط العالم الذي نعيش فيه، حيثُ تظل هذه الأحلام تحثنا ليلا ونهارا لإخراجها على أرض الواقع، ولولا هذا الإلحاح الذي يتحرّك في دواخلنا، وفورة الثورة التي تندلع في أذهاننا، وتطفو على سطح تفكيرنا بين هنيهة وأخرى، لما نجح علماء الطبيعة والفلاسفة والمفكرون والمبدعون في تغيير العالم من حولهم، وفي تحويل أحلامهم إلى حقائق على الأرض.
 
أحلامي، جزء لا ينفصل عن قناعاتي، هي التي حثتني على أن أحارب بضراوة على مدار عمري، كي أرى مردوداتها بأم عينيَّ تمشي متبخترة على الطريق. هذه الأحلام حملتها أجنة في أحشائي، منها ما نجحت في ولادتها ولادة طبيعية، وأصبحت حرة طليقة. ومنها ما اضطررت إلى إنجابها بعملية قيصرية بعد أن حملت بها سنوات طويلة حتّى تعب جسدي من ثقل وزنها. ومنها من توفيت في المهد دون أن أفلح في إنقاذها، بعد أن أعيتني الحيلة في إيجاد تربة خصبة لها لكي تنمو وتترعرع.
 
لقد بنيتُ حلمي في أن أكون كاتبة منذ أن أدركتُ معنى الحرف، وقيمة القلم، ولولاه لما استطعتُ رفع صوتي احتجاجا على ما يجري من سلبيات حولي، وبخس لحقوق المرأة في بلادي. إن عالم الكتابة بالنسبة لي قارب النجاة الذي أتطلع أن يُوصلني إلى شاطيء الأمان، مثلي كمثل الغريق الذي يتعلق بالقشة على أمل أن ينجو بحياته من المصير المحتوم الذي ينتظره.
 
عالم الكتابة كان وما زال قدرا حتميّا، وسأظل إلى آخر يوم في عمري مدينة لأبي، الذي لعب دورا كبيرا في رعاية هذا الحب، من خلال تشجيعي على القراءة، وعدم حظر أي كتاب عني مهما كانت مساحة جرأته كبيرة. كبرتُ وأنا لا أؤمن بالحدود، ولا أعترف بالحواجز، ولا آبه بالمحاذير، بالرغم من أنني نشأت في مجتمع شديد الصرامة، يُطبّق ازدواجية المعايير في كل أمور حياته!!. تعلمت وقتها أن أعطي الحرية لعقلي، بالنبش في مضامين تلك الإبداعات، التي تركها الأدباء، الذين أثروا العالم بنصوصهم الجميلة، وأدبهم الرائع، والذي كان الباب الرحب الذي فتح عينيَّ على تجارب الإنسانية.
 
هل الكتابة قدر؟! أم أنها كالمارد المحشور في أنبوب زجاجي، ينتظر شباك صيّاد عابر، لكي يستخرجه من قاع البحار وينزع غطاءه لينطلق منه المارد في الفضاء بصوته المجلجل، كما تروي لنا قصص ألف ليلة وليلة؟! هذه التساؤلات تطرح نفسها في ذهني، كلما تعرضت لهجوم شرس من ذوي العقول المتحجرة في مجتمعي حول مضامين ما أكتب.

 
***
 

لماذا فضّلتُ عالم الرواية والقصة؟! يُلقى عليَّ هذا السؤال كثيرا في الكثير من الحوارات التي تُجرى معي. من وجهة نظري، يظل هذا العالم المنبر الأقدر على كشف المستور، وفضح الحقائق الملتوية، ولأن المرأة المبدعة من خلال هذا الجنس الأدبي، تستطيع تعرية شخوص رواياتها، وتركها تتصرف على سجيتها، وتُعلن عن رغباتها، وتتنفس بحرية، مبيّنة مستواها الفكري، فاضحة مرتبتها الاجتماعية، وهو ما يجعلني أميل للمقولة الرائجة بأن الكتابة عملية لا أخلاقية.

إن شهرزاد صاحبة الفضل الأول على النساء، في تعليم المرأة فن الحكي لسلب عقل الرجل، حيثُ تتباهى بأنها نجت من سيف الجّلاد لمهارتها في سرد القصص، وفي جذب شهريار إلى عوالم مدهشة، حتّى نجحت في النهاية في ثنيه عن قتلها، ووقف هوس الرغبة في أعماقه لقتل كل أنثى، وهو ما سطرته الباحثة فاطمة المرنيسي في كتابها الرائع “نساء على أجنحة الحلم”.

 
***
 

أُتهم دوما بأنني أصوّر الرجل في عوالم رواياتي، بأنه الظالم المتجنّي على المرأة، ولكن الحقيقة الراسخة في وجداني، هي أنني لم أقف يوما في مواجهة الرجل، ولا أفكر بتلويح سيفي في وجهه، فالرجل يُمثل همزة وصل حقيقية في حياتي، وإنما أقف ضد الكثير من موروثاتنا الاجتماعية، التي هي في الأصل نتاج عقول ذكوريّة متخلفة، طمست إنجازات المرأة، وساهمت في منح الرجل الكثير من الصلاحيات، وحصرت نظرته الضيقة في المرأة، بأنها مجرد صندوق أثري، من حقه أن يُلقي بداخله كل أشياءه القديمة بلا مبالاة، كونها من وجهة نظره تُمثل جزءا من إرثه التاريخي!!.

 
***
 

المثير للسخرية أن خطابنا الثقافي تجاه المرأة لم يتغيّر منذ عصر النهضة إلى اليوم، مما يرسم علامات استفهام متعددة.. هل هذا عائد إلى انصراف الكاتبة العربية عن الترويج لقضايا بنات جنسها؟! أم لتسرّب اليأس لقلبها، وإحساسها بفقدان الأمل في التغيير؟! هل لكونها اكتشفت أن المرأة مهما بلغت درجة ثقافتها، أشد عداوة من الرجل في التعامل مع بنات جنسها من جهة، وانعدام جسر الثقة بين بعضهن البعض من جهة أخرى، مما جعل الرجل يستغل هذه النقطة لزيادة مساحة صلاحياته؟! وللتأكيد على صحة كلامي، أختتم بعبارة الأديبة مي زيادة التي سبقت زمانها، والتي ما زالت سطورها يرن صداها في أذن كل امرأة مبدعة، تحلم بأن تتحقق مطالبها ذات يوم على أرض الواقع ( يجب أن يُباشر بتحرير المرأة لئلا يكون المتغذون بلبنها عبيدا، وهل تُربي العبدة إلا عبيدا؟!.. الرجل هو الأب والأخ والصديق والزوج، فإذا سقط سقطنا معه، وإذا أرتفع كنّا له بارتفاعه عظيما، لذلك نُريد له خيرا بشرط أن ينصب عرشنا بقرب عرشه). تُرى لو كانت مي زيادة بيننا اليوم، هل سترى عروشنا قد ارتفعت، أم أننا ما زلنا نحيا في دائرة الحلم المستحيل؟!.

 
***
 

﴿ بمناسبة اليوبيل الفضي للإتحاد النسائي الأردني العام ﴾

 

حول “المشاركة النسائية في البرلمانات العربية”

أتيتُ هنا لأعتذر!!
11-12 /سبتمبر 2006 الأردن/عمّان

 
 

أعتذر، لأني قادمة إليكم من بلادي خاوية اليدين. أعتذر، لأني أتيتُ إليكم بنبرات مجروحة. أعتذر، لأني حاضرة بينكم وأنا أحمل تحت ذراعي الأيمن حاضر منقوص بحاجة لمراجعة مستفيضة، وتحت ذراعي الأيسر تاريخ قديم ومشرّف لإنجازات المرأة على أرض الجزيرة العربية. أعتذر، لأني أدسُّ في كفي اليمين صفرا، وفي كفي اليسار أيضا صفرا. أقول بصوت غاضب ممزوج بالحسرة واللوعة.. لا توجد لدينا وزيرة، أو نائبة، أو سفيرة، بالرغم من أن المرأة السعودية اليوم، بتعليمها وعلمها وثقافتها، أثبتت أنها قادرة على الوقوف بجانب الرجل، بل وان تكون ندّا له إن لزم الأمر لما فيه خير مجتمعها.
 
لكن يجب أن نكون منصفين وعادلين، ونقر بأن هناك جوانب سلبية عديدة تُعاني منها المجتمعات الخليجية الأخرى. فالنساء اللائي تبوأن مناصب عليا يُعددن على الأصابع، وأقول على استحياء بأنه لم تنجح للأسف ولا مرشحة ممن تقدّمن بفضل أصوات الناخبين من مختلف شرائح المجتمع، بل جميعهن تم تعينهن من قبل حكوماتهن. هذا يعني بان المرأة لا تلقى أصواتا كافية تدعمها، لتصل إلى البرلمان بمختلف تسمياته، ويؤكد على أن المرأة لا تثق في المرأة ولا تمنحها صوتها، كونها في داخلها وبحكم موروثاتها الاجتماعية، وتربيتها التي نشأت عليها، ترى بأن الرجل هو الأقدر على حمايتها وتلبية مطالبها. والأمثلة المتوفرة كثيرة، ففي الكويت، لم تنجح في الانتخابات الأخيرة ولا واحدة من المرشحات، اللواتي تقدّمن لعضوية مجلس الأمة. وفي السعودية، نجحت سيدتين فقط ممن تقدمن للانتخاب في مجلس إدارة الغرفة التجارية بجدة، ويعود الفضل لنجاح إحداهما إلى أصوات الرجال التي بلغت 650 صوتا مقابل 50 فقط من أصوات النساء.
 
إنه من العار أن تقف النساء في مواجهة بعضهن البعض، بدلا من أن يتكاتفن لكي ينتزعن حقوقهن، كون الضرب بيد واحدة لا يُحدثُ دويّا مهما كانت سماكة باطن الكف!! لكنني لا أريد تحميل المرأة الذنب الأكبر، فعدم وجود وعي اجتماعي، سحب الثقة من تحت أقدام المرأة، وجعلها في نظر المجتمع بنسائه ورجاله ناقصة عقل ودين، مما يعني أنها غير مؤهلة لأن تكون في موقع المسئولية. وزاد الطين بلة خروج بعض أئمة المساجد، والتنديد من على المنابر، برفض مشاركة المرأة في انتخابات الغرف التجارية في السعودية، متسائلة في قرارة نفسي كيف سيكون الحال لو تعلّق الأمر بفتح باب العضوية لها في مجلس الشورى!! كذلك لا يبعد عن ذهننا ما قام به النائب الطبطبائي في الكويت، حين حرّم حق المرأة في التصويت بدون إذن زوجها، ثم تراجع عن فتواه عندما هوجم من قبل الطبقة المثقفة.

 
***
 

يجب أيضا أن لا نغفل دور وسائل الإعلام، التي تتحمل جزءا كبيرا من المسئولية، بالاستمرار في مسلسل استغلال جسد المرأة في البرامج الترفيهية، وفي استخدامها كسلعة في الدعايات التجارية، والتعاطي مع قضاياها بطرق سطحية، من خلال مسلسلات تصورها إما بالمرأة الشريرة، أو الزوجة المغلوبة على أمرها، المستسلمة لظروفها. إضافة إلى إطلاق عدد من رجال الدين عبر البرامج الدينية، فتاوى شرعية تدعو المرأة إلى احتساب الأجر عند ربها عند وقوع ظلم عليها، مما رسّخ مفهوم الرضوخ للأمر الواقع في أعماق المرأة، وأوجد خلطا خاطئا حول مفهوم الدين، تجاه العلاقة السوية بين الرجل والمرأة من ناحية، وبين حقها الطبيعي في التمسّك بحقوقها المشروعة من ناحية أخرى.

هذا كله يؤكد على وجود ردة فكرية تجاه المرأة حين يتعلق الأمر بدورها في المشاركة بالحياة العامة في بلادها. فالمرأة كانت وما زالت حاضنة الأجيال، في حجرها تربى الزعماء والقادة والحكام، الذين صنعوا التاريخ، والتنكّر لصنيعتها، وإغفال أدوارها، وسحب الثقة من تحت قدميها، سيؤدي إلى انعكاسات خطيرة داخل المجتمع على المدى البعيد.

 
***
 

يقول الشيخ أحمد زكي يماني “.. قضية المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، من القضايا التي يحتدم حولها النقاش.. بين متزمتين متشددين يبالغون في الاستهانة بأمر المرأة لدرجة تحقيرها، والإساءة إلى إنسانيتها، معتمدين على أحاديث نبوية ضعيفة، أو تفسير ممجوج لآيات الكتاب وصحيح السنة، محاولة منهم بان يضعوا على تقاليدهم القبلية غلافا دينيّا إسلاميّا..”. ( كتاب” حقوق الإنسان في الإسلام” /منشورات الفرقان/ 2004[1] )

 
***
 

لقد أتيتُ هنا متعمدة لكي أصرخ وأصرخ وأصرخ، لكي يسمع الجميع صوتي، ويدركون بأن دوّامة الترف الاجتماعي، وآبار النفط التي نشأنا على خيراتها، وصرامة موروثاتنا وأعرافنا، التي تصر على وضع المرأة طوال الوقت تحت الإقامة الجبرية، لم تلهنا عن المطالبة بحقوقنا، ولم تجعلنا نقف صاغرين خانعين. أتيت هنا لكي أؤكد على وجوب تمكين المرأة السعودية من المشاركة في الحياة السياسية، والتأكيد على أن هذه المشاركة ستكون بوابة المرور لدعم مطالبها، في عمل إصلاحات قانونية تقوم على التشريع، يُصحح وضعها، ويُبرز قدراتها داخل وطنها، ويُتيح لها المجال للانخراط في كافة المجالات التي ما زال معظمها حكرا على الرجل، بما يتلائم مع طبيعة الحياة العصرية.
 
إنني أضمُّ صوتي إلى صوت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الدكتورة السعودية ثريا عبيد، التي طالبت بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، تمكين المرأة العربية من المشاركة في مجتمعها، وأن الإصرار على عزلها سيؤدي إلى حرمان النساء من المطالبة بحقوقهن الإنسانية، المتمثلة في القضاء على الفقر والأمية والتمييز في التعليم والوظائف وغيرها من الأمور.

 
***
 

سيداتي.. سادتي.. مخطئ من يعتقد بان المرأة ليس لها دراية في العمل السياسي، ففي عصور الجاهلية كانت هناك العديد من الملكات حكمن بلدانهن، وكانت عصورهن من أزهى العصور، ويكفي بأن القرآن الكريم ذكر الملكة بلقيس مبينا بأنه كان لها ملك عظيم. وفي عصور الإسلام الزاهية، كانت المرأة العربية دوما حاضرة، لها الحق الكامل في التعبير عن آرائها، وفي ممارسة النشاط السياسي.

في كتاب سلطانات منسيات، تؤكد الباحثة فاطمة المرنيسي، بأن النساء لسن جديدات على المناخ السياسي، مؤكدة بأنه تمَّ أخذ البيعة منهن على خلافة سيدنا أبي بكر الصديق. وفي النزاع الذي دار حول خلافة معاوية، انقسم النساء حوله، فمنهن من وقفن في صف معاوية، ومنهن من أعلن نصرتهن للأمام علي بن أبي طالب، مستخدمات فصاحتهن وبلاغتهن التي اشتهرن بها في تأييده.

 
***
 

هناك صفة جميلة في المرأة لا توجد لدى الرجل، أنها حين تؤمن بشيء تحارب من أجله بضراوة، ملقية بنفسها في رحى المعركة بدون درع يقيها من الضربات القاتلة. بعكس الرجل الذي يتلفت حوله قبل أن يُقدم على موقف أو رؤية أو تصرّف، لأنه يضع نصب عينيه اعتبارات المجتمع، وعواقب الأفعال. ألا يكفي هذا لكي تقتنع مجتمعاتنا العربية، بحق المرأة في أن ترث التاريخ الذي تركنه لها جداتها القدامى!!.